مَن الرابح في معادلة التصعيد الغربي ضدّ إيران؟!
وسط التوترات المتصاعدة على الساحة الدولية والإقليمية، يبرز الملف النووي الإيراني كأحد الملفات الإقليمية الأساسية المطروحة على الطاولة. فمنذ سنوات طويلة، تسعى إيران إلى تطوير برنامجها النووي، الأمر الذي لا يروق للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، ويدفعها إلى اتخاذ خطوات تصعيدية في محاولة للحدّ من هذا التقدم... فما جديد هذا الأمر؟
إيران: لا للضغوط!
مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، وأثناء زيارته إلى طهران في 14 تشرين الأول 2024 لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين بشأن برنامجهم النووي؛ التقى بوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي أكد استعداد إيران لحل النزاعات مع الوكالة، لكنهّ شدّد على أنّ ذلك لن يتم تحت الضغط. ومن جانبه، أشار رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، إلى أن المحادثات كانت «بناءة»، معرباً عن إمكانية حل الخلافات عبر التعاون والحوار.
وقبل اجتماعٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أطلقت إيران آمالها في أن تجري المحادثات بشأن برنامجها النووي «بعيداً عن الضغوط والاعتبارات السياسية»، وصرّح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي في 17 تشرين الثاني 2024، بأنّ هنالك فرصة «محدودة» للدبلوماسية لمعالجة الملف النووي، محذّراً من أن إيران مستعدة لاتخاذ إجراءات جديدة إذا تبنّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً مناهضاً لها.
عرض إيراني لمخزون اليورانيوم المخصّب
لاحقاً لذلك، وفي 19 تشرين الثاني الجاري، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ إيران عرضت عدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، واتخذت الاستعدادات اللازمة لذلك، وجاء هذا العرض خلال زيارة المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، إلى إيران. ومع ذلك، كان العرض مشروطاً بإلغاء القوى الغربية لقرارٍ مزمع ضد طهران في اجتماع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبالتوازي، حذّرت وزارة الخارجية الإيرانية كلّاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا من المضي قدماً في خططهم لتقديم قرار إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يلوم طهران على عدم تعاونها مع المفتّشين، مؤكّدةً أن مثل هذه الخطوات قد تؤدّي إلى نتائج عكسيّة.
لكن رغم ذلك، في 21 تشرين الثاني 2024، أيْ بعد يومين مِن العرض الإيراني، أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المكوَّن من 35 دولة، قراراً يطالب إيران بتحسين تعاونها مع الوكالة، ودعا القرار الوكالة إلى إعداد تقرير شامل عن الأنشطة النووية الإيرانية بحلول ربيع العام المقبل 2025.
ويشار هنا، إلى أنه قبل أشهر، وتحديداً في أيلول 2024، كانت قد فرضت فرنسا وألمانيا وبريطانيا عقوبات على إيران بعد اتهامها بتسليم روسيا صواريخ باليستية. وشملت العقوبات استهداف قطاع الطيران الإيراني، كما أدان الاتحاد الأوروبي نقل صواريخ باليستية إيرانية الصنع إلى روسيا، وتوعّد بفرض عقوبات إضافية.
إحالة الملف إلى مجلس الأمن
الآن، ومع تصاعد التوترات واستمرار إيران في أنشطة التخصيب، هناك احتمالية لإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، وقد يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات دولية جديدة على إيران. وبطبيعة الحال، فإن هذا يهدف نظرياً إلى الضغط على إيران للدخول في مفاوضات ربّما لا يكون البرنامج النووي الأساسيَّ فيها، فالقرارات الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعقوبات الغربية، والتحذيرات المتبادلة، تشير إلى مرحلة جديدة من التصعيد.
ويأتي ذلك وسط حالة ترقّب وانتظار مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض التي ستحدث في كانون الثاني 2025، فالأوساط المختلفة تنتظر موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الملف النووي الإيراني. فخلال ولايته السابقة، انسحب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015، ما أدّى إلى تصاعد التوترات مع طهران.
خطى أسرع نحو الشرق...
أمامَ هذا الواقع، وبظلّ تصاعد الضغوط الغربية على إيران، خاصّة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، تسعى طهران إلى تعزيز علاقاتها مع الشرق، وعلى رأسه الصين وروسيا، كاستراتيجية لمواجهة هذه التحديّات، والجانب الإيجابي في هذا الإطار، هو أنّ ضغوطات الواقع لن تدفع إيران إلّا نحو المزيد من هذا التقارب والتعاون وتعزيز العلاقات مع الشرق، أيْ أنّ التصعيد الغربي سيدفع العمليّة قُدُماً بالاتجاه الصحيح، وبالضدّ من الغرب ذاته. فهذا التوجه نحو الشرق أصبح اليوم جزءاً أساسياً من السياسة الخارجية الإيرانية، إذ ترى طهران فيه وسيلة لتقليل اعتمادها على الدول الغربية وتخفيف تأثير العقوبات المفروضة عليها.
وللتوضيح، من المفيد التذكير أن الصين تعتبر شريكاً اقتصادياً رئيسياً لإيران في إحداثيات اليوم، حيث وقّعت الدولتان في عام 2021 اتفاقية شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً، وشملت هذه الاتفاقية استثمارات صينية كبيرة في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية الإيرانية، ما وفر لطهران دعماً اقتصادياً مهمّاً في مواجهة العقوبات الغربية. وعلى الصعيد العسكري، تعزّزت العلاقات بين إيران وروسيا بشكل كبير، خاصّةً في مجالات الدفاع والتكنولوجيا العسكرية، وهذا التعاون يمنح إيران قدراتٍ عسكرية متقدمة ويعزّز موقفها في المنطقة.
استناداً إلى هذه المعطيات، يمكن القول إنّ الرابح الأكبر من التصعيد الغربي ضدّ إيران، والذي له آثاره السلبية بطبيعة الحال؛ هي إيران نفسها في نهاية المطاف، لأنه سيدفعها موضوعياً إلى تسريع الخطى نحو الشرق، لضمان موقعها، وسيادتها، وأمنها الوطني...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1202