قضايا الشرق .. «شطرنج الكش والهروب»

قضايا الشرق .. «شطرنج الكش والهروب»

في الحرب مراحل لا تقل أهمية عن القتال المباشر، وتحديداً تلك التي تعلن فيها النتيجة النهائية، والتي بدورها لا تكون المرحلة الأخيرة، بل يتلوها تحديد التخوم الجديدة، وتثبيت نتائج الحرب في شكلٍ من أشكال الاتفاق، يثبت فيه الطرف المنتصر ما حققه أثناء القتال، وفي الواقع تكون وطأة المراحل الأخيرة أكبر بكثير على الطرف المهزوم من القتال نفسه.

يبدو إسقاط الفكرة السابقة على الولايات المتحدة الأمريكية ممكناً، وتحديداً لكونها تخوض بالفعل مواجهة مفتوحة على المستوى العالمي، ومع أنها لا تزال تملك عناصر قوة تسمح لها بالاستمرار بالقتال، إلا أن نتيجة المعارك على عدد من الجبهات باتت محسومة وواضحة، وتحديداً في الجبهات التي تحولّت إلى مواجهات عسكرية تقود فيها الولايات المتحدة المعركة من وراء الستار تارة، وفي غرفة العمليات تارة أخرى، ففي أوكرانيا مثلاً: لم يخرج أي مسؤول عسكري مرموق إلا وأكد أنه لن تكون هناك مفاجآت جديدة على الجبهة، ولن يحدث تحول سحري يتغير على إثره وضع القوات الأوكرانية المدعومة غربياً، لكن ومع ذلك لا يلوح في الأفق أي مؤشر فعلي على توقف الحرب، وتتمحور المبادرات الغربية في هذا السياق حول دفع روسيا، الطرف المتقدم عسكرياً، لإقرار هزيمته والإذعان لشروط المهزومين!
أي أننا أمام ظرف يُصرّ فيه الغرب على أعلى درجة ممكنة من الاستنزاف، ولكن تأخير إعلان النتائج لا يمكن تفسيره فقط من هذه الزاوية، فإن كان الاستنزاف قائماً بالفعل، إلى أنّه مضر لكلا الطرفين، ما يعني أن هناك سبباً آخر يؤخر اعتراف واشنطن بنتيجة المعركة، وهو فعلياً أن الإقرار بالهزيمة ستكون له تأثيرات متسارعة لا يمكن وقفها في أوروبا والعالم، وعلى هذا الأساس تلجأ الولايات المتحدة حالياً للعب على أساس «شطرنج الكش والهروب» أي عندما يدرك اللاعب أنه خاسر، ولكنه يقفز إلى مربع آمن على الرقعة، قبل أن يضطر إلى القفز إلى مربع آخر دون أن يأمل من حركاته الخرقاء تغيير نتيجة اللعبة.
بالنظر إلى هذه المسألة، يمكننا الخروج بالاستنتاج الذي يقول: إن الرئيس الأمريكي التالي سيجد نفسه في مأزق يشبه مأزق سابقه، فالخيار الواقعي هو الخروج على الملأ والإقرار بهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن مهما كانت الصيغة دبلوماسية ومدروسة لن يكون بالإمكان ضبط نتائج إعلان كهذا، ما يقودنا للشك بأن لحظة كهذه لم تحن بعد.
في الشطرنج، يستطيع الحكم التدخل في حالة كهذه لإيقاف اللعبة، وإعلان النتيجة الواضحة، ولكن في حالتنا هذه، الواقع الموضوعي هو الحكم، وقدرة الولايات المتحدة على القفز من مكانٍ إلى آخر لن تكون متاحة لوقتٍ طويل، بل سنجد أنفسنا في لحظة سيُلجم هذا النوع من «اللعب» وتعلن النتيجة دون مواربة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1201