إلى أين وصلت العلاقات السعودية الإيرانية الآن؟
أحمد علي أحمد علي

إلى أين وصلت العلاقات السعودية الإيرانية الآن؟

منذ توقيعه في آذار/مارس من العام الفائت 2023، راهن كثيرون على كون الاتفاق السعودي- الإيراني، أو ما عرف بـ «اتفاق بكين» هو اتفاقٌ هشّ ومؤقت، وأنه لن يطول الزمن حتى يعود البلدان إلى سابق عهدهما.. فهل حقّاً هكذا جرت الأمور أم ماذا؟ وأين وصل التفاهم ما بين البلدين الذين يتمتعان بوزنٍ هامّ في شرق المتوسط؟

توقّف عدد لا بأس به من وسائل الإعلام، وبصيغة استغرابية بعض الشيء، عند كلام رئيس مجلس الوزراء السعودي، محمد بن سلمان، خلال أعمال القمة العربية– الإسلامية التي وصفت بـ «غير العادية»، والتي عقدت في الرياض، إذ دعا بن سلمان المجتمع الدولي إلى إلزام كيان الاحتلال الإسرائيلي باحترام سيادة إيران، وعدم الاعتداء على أراضيها.
وإذا كان هذا ما قيل داخل أروقة قمة الرياض، وله معانيه المهمة التي سنأتي على ذكرها ضمن السياق، فإن ما كان يجري بالتوازي مع القمة، وفي قلب طهران، على مستوى عالٍ من الأهميّة، ولم يلقَ ما يستحق من الرواج والاهتمام الإعلامي، وربما لأنه جرى بالتزامن مع الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة قبل يوم من انعقادها.

لقاءات عسكرية دفاعية في طهران!

المقصود في حديثنا هذا، هي الزيارة الخاصة التي أجراها الفريق الأول الركن فياض الرويلي، رئيس هيئة الأركان العامة السعودي إلى إيران، والتي التقى خلالها نظيره الإيراني اللواء محمد باقري، ودار فيها الحديث حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران في المجالين العسكري والدفاعي، وذلك بهدف دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
وممّا جاء في حديث اللواء باقري خلال لقاء نظيره السعودي: «نعتقد بإمكانية رفع مستوى التعاون بين القوات المسلحة للبلدين في المجالات الدفاعية، وتبادل الخبرات، ونأمل مشاركة البحرية السعودية في المناورات البحرية الإيرانية». وفي لقاء آخر، تباحث الرويلي مع اللواء غلام محرابي، مساعد رئيس هيئة الأركان الإيرانية لشؤون الاستخبارات والأمن، القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين، بمشاركة عدد من كبار الضباط من القوات المسلحة في السعودية وإيران.
وتأتي أهميّة اللقاءات السابقة كونها الأولى من نوعها التي تجري بين البلدين منذ عقود، وكونها تدفع التفاهم والتنسيق القائم بخطوات جديّة إلى الأمام، غير أنه كان قد سبقتها زيارة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى الرياض، الزيارة التي أعلن بعدها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي بعدها أن بلاده «عازمة على تعزيز العلاقات مع جيرانها، من أجل ضمان الاستقرار والأمن وتطوير التعاون الاقتصادي بما يخدم كل شعوب المنطقة».

«أعلى مستويات التفاهم»

وفقاً للسابق، يبدو واضحاً أن ما يستهدفه البلدان ليس تفاهماً وتنسيقاً من النوع العابر، بل «أعلى مستويات التفاهم»، وهذا ما نطق به صراحةً السفير الإيراني في السعودية علي رضا عنايتي قبل مدة، رغم أن ذلك ليس مسألةً سهلة السهولة كلها، وأمامها تحديّات بطبيعة الحال.
ومن المفيد هنا التذكير بأن مناورات عسكرية بحرية إيرانية كانت قد جرت بالشراكة مع قوات البحرية الملكية السعودية إلى جانب دول أخرى في بحر العرب، في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

ضدّ الفوضى الهجينة

أوّل ما تشير إليه اللقاءات العسكرية الجديدة في طهران، والمناورات التي سبقتها، هو أن التعاون السعودي – الإيراني قد قطع أشواطاً لا بأس بها، ووصل إلى المستوى الدفاعي العسكري، وهو مستوى يعبر عن ارتقاء جدي وحقيقي بالعلاقات السياسية الثنائية ما بين البلدين، على عكس ما تروّج وتشكّك به وسائل إعلام وقوى عديدة.
العامل الإضافي الثاني الذي يرفع من أهميّة ما يجري، هو أنه يحدث في لحظات تواجه فيها المنطقة تحديات كبرى، ومخاطر كبرى، فبالوقت الذي ترسم فيه أمريكا و«إسرائيل» لفوضى هجينة شاملة لا تبقي ولا تذر في المنطقة، تأتي هذه التطورات لتفرض جوّاً إقليمياً يصدّ هذه المحاولات، ويعطّل المشروع الأمريكي، وصمود العلاقات في هذه اللحظات بالضبط، هو مؤشر نجاح إضافي يسجلّ للبلدين.
ضمن هذا السياق، وبالعودة إلى حديث بن سلمان في قمة الرياض، يظهر أن ما عملت عليه إيران، وتحديداً ضمن إطار تعاونها الاستراتيجي مع «منظمة التعاون الإسلامي» والدول العربية خدمة لقضيّة فلسطين المحوريّة، بدأ يجد تعبيراته الملموسة، فموقف السعودية الداعم لإيران، والذي يصبّ في خدمة المنطقة وشعوبها، يعزّز من عملية رأب الصدع الكبير الذي رسا لعقود فيها- وبعد أن غذته أمريكا وحلفاؤها إلى حدود قصوى- بدا عندها أنه أبدي؛ وقد بدأت نهايته!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1201