قضايا الشرق .. أولئك الذين يسبحون عكس التيار
إن درجة التشابك الهائلة بين الملفات الساخنة على الساحة العالمية، تجعل التعاطي مع أيٍ منها بمعزلٍ عن الآخر مسألة خطرة، تقود غالباً إلى استنتاجات خاطئة في نهاية المطاف، وعلى هذا الأساس تجد القراءات المنقوصة هذه نفسها أمام طريقٍ مسدود.
لكن درجة التشابك الشديدة هذه تفسح المجال أمامنا لرؤية القواسم المشتركة والبحث فيها، وفي هذا السياق جاءت كلمة الرئيس الروسي الموسعة في منتدى فالداي الذي انعقد في 7 تشرين الثاني الجاري، لتقدم للعالم بشكل تفصيلي رؤية روسيا في هذا الصدد، وقد جمع الرئيس في طرحه عدداً كبيراً من القضايا، لكنّه قدّم في الوقت نفسه مفاتيح لفهم ما يجري حولنا.
فبوتين يصف ما نعيشه بأنّه «عصرٌ من عصور التغييرات الجذرية والثورية من حيث الجوهر» ويرى أننا نساهم في صياغة عالمٍ جديد يتشكل أمامنا، ولا يشبه أيّاً مما عرفناه سابقاً. بل ويذهب للقول: إننا أمام خيارين، فإما أن تغرق الإنسانية في هاوية الفوضى العدوانية، والمزيد من الاحتكار والاستبداد والظلم، وإما أن نمضي إلى شكل جديد للعالم، تنتفي فيه الهيمنة الغربية، وينتهي احتكاره في قيادة العالم، كما اعتاد منذ نهاية الحرب الباردة.
فالمطلوب اليوم بحسب الكلمة الموسعة، أن يُقر الغرب الجماعي بأنه أحد عناصر عديدة في هذا العالم، وليس العنصر الوحيد فيه، وأن يطوي صفحة الهيمنة والاحتكار، التي أثبت التاريخ دائماً أنها لن تدوم، ويقول بوتين: إن قوى الهيمنة السابقة اعتادت منذ حقبة الاستعمار على حُكم العالم، وتفاجأت اليوم بأنها لا تُطاع! ولكنها حتى اللحظة تصر على السباحة ضد التيار، ما دفعه للتذكير بأن «السباح المتمرس لا يستطيع السباحة ضد تيار قوي، مهما كانت الحيل، وحتى المنشطات التي يستخدمها» وأضاف: إن «تيار السياسة العالمية، التيار السائد، يتجه في الاتجاه الآخر، المعاكس لتطلعات الغرب، من أفول عالم الهيمنة وصعود عالم التنوع».
ما سبق، هو جزء يسير مما تحدث فيه الرئيس الروسي في فالداي، وإذا ما أردنا إسقاط ذلك على ما نعيشه فيمكننا القول: إن المشكلة الأساسية التي عانت منها المنطقة لا تنحصر فقط في حجم التدخل الخارجي الغربي ودوره التخريبي فحسب، بل أيضاً في احتكار الغرب ذاته لـ «حل» تلك القضايا، عبر إدخالها في دوّامات لا تنتهي من المفاوضات والجلسات الشكلية، تماماً مثل جولات «وقف إطلاق النار في غزّة ولبنان» وإن الثمرة الأساسية التي نطمح إليها اليوم هي أوسع من إيقاف العنف الدائر حالياً، رغم أهمية ذلك، لكن ما تطمح إليه المنطقة فعلياً هو كسر هذا الاحتكار الغربي تحديداً، والبحث عن مخارج مفتوحة للأزمات المستعصية، والتي لا يمكن أن ترتبط إلّا بتلك القوى التي تسبح مع تيار التاريخ، الذي ذكرنا بوتين مجدداً أنّ إيقافه مستحيل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200