المأزق يخلق مأزقاً جديداً والساعة في واشنطن تدقّ!
يتجه المشهد العام إلى ذروة جديدة من التعقيد، فالحرب مستمرة، والمؤشرات لا تدعم اقتراب انتهائها بل العكس، فخلال الأيام القليلة الماضية شهدنا سلسلة من التطورات في ملف الشرق الملتهب، ففي داخل الكيان تتعقد الأزمة الداخلية وتستمر ماكينة الحرب بالعمل في غزّة وجنوب لبنان، هذا بالإضافة إلى تحركات أمريكية تؤكّد مجدداً مسؤولية واشنطن عن كل ما يجري!
بعد انشغال ماكينة الدعاية في الانتخابات الأمريكية، وضخ مئات التقارير عن «سياسة أمريكية جديدة مرتقبة» أُغلقت صناديق الاقتراع، وحسمت الانتخابات لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك مع نجاح ملحوظ للجمهوريين في كسب الأغلبية في الكونغرس الأمريكي، لكن كل ذلك لا يعني مطلقاً أن تحدث تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية في منطقتنا، وهو ما سيكون لزاماً علينا نقاشه خلال الأسابيع القادمة، لكن ما يهمنا الآن، أن «الاعتبارات الانتخابية» انتهت، ودخلنا في مرحلة ستكون مهمة الإدارة الحالية لا الاستمرار، وتثبيت السياسة السابقة فحسب، بل أيضاً تعقيد الملفات أمام الإدارة اللاحقة التي لن تبدأ عملها رسمياً قبل شهر كانون الثاني القادم.
تجميد «طبخة البحص»
نقلت وسائل الإعلام مجموعة من الأنباء والتصريحات المرتبطة بتعليق قطر دور الوسيط بين حركة حماس و«إسرائيل» بشكلٍ مؤقت، وخرج المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري ليعلن أن بلاده أخطرت أطراف مفاوضات «وقف إطلاق النار» بأنها ستعلق جهودها في الوساطة، في حال لم يتم التوصل لاتفاق في الجولة الأخيرة، لكن المثير للاهتمام كان كثافة الأخبار المتعلقة بضغوط أمريكية على قطر لتقييد نشاط حماس، أو ربما إغلاق مكاتبها في الدوحة، وبالرغم من أن أفكاراً من هذا النمط جرى تداولها في مرات سابقة، إلا أنّها تظهر في لحظة مختلفة الآن، فإن صحّت هذه الأنباء حقاً فذلك يعني أن محاولات عرقلة الوصول لاتفاق جدي لوقف إطلاق النار انتقلت إلى مرحلة جديدة، عبر تجميد نشاط أحد الوسطاء الأساسيين تحت ضغوط أمريكية في الغالب، ما يجب أن يؤكد مجدداً، أن فرص نجاح مسار أمريكي في الوصول إلى أي تهدئة هي مسألة محسومة، بل إن نشاط الإدارة الأمريكية اليوم سينصب على خلق حالة أشد من التعقيد في عدد كبير من الملفات، بهدف عرقلة أي توجّه مختلف من الإدارة اللاحقة، هذا إذا افترضنا أصلاً أن إدارة ترامب اللاحقة ستسعى لخفض التصعيد كما تعهدت!
المأزق في «إسرائيل»
إن استمرار الحرب طوال المدّة السابقة كان يعني بالضرورة تفاقم المشاكل والأزمة العميقة القائمة أصلاً، فالأطراف جميعها تضطر للتحرك ضمن هوامش ضيقة، ومع كل حركة جديدة يظهر صدعٌ جديد في مكانٍ ما، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أصدر يوم الثلاثاء 5 قراراً بإقالة وزير دفاعه يوآف غالانت في تطور متوقع للعلاقة بين الإثنين، وقال نتنياهو: إنه «لا يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الجارية» وأضاف: أن «أزمة الثقة التي حلّت بينهما جعلت من غير الممكن استمرار إدارة الحرب بهذه الطريقة»، ونقلت وسائل إعلامٍ عبرية أن مكتب رئيس الوزراء أبلغ غالانت قبل عشر دقائق من صدور البيان الرسمي الذي حدد يسرائيل كاتس خلفاً للوزير المقال.
لكن وما أن صدر القرار حتى بدأت ردود الأفعال بالظهور، وأخذت المعارضة تحسن من مواقعها، وتحديداً مع ظهور ملامح للتوافق مع غالانت إذ أصدرت أحزاب المعارضة بياناً مشتركاً اعتبرت فيه أن الإقالة جاءت لأسباب سياسية، وهي خطوة تتماشى مع سيل كبير من التعليقات حول دوافع نتنياهو، ويبدو أن ما يجري تداوله وبعيداً عن تفاصيله يؤكد تسارع احتدام التناقضات داخل الكيان بشكلٍ كبير، وباتت القضايا خلافية أكثر من أي وقتٍ مضى، فإن كانت الأطراف جميعها تعمل لمصلحة الكيان في نهاية المطاف، إلا أنّ استمرار الحرب بات يشكل تهديداً حقيقياً على بقاء الكيان، فعلى الرغم من تصريحات رئيس الأركان هرتسي هاليفي حول «القدرات الخارقة» لجيش الاحتلال، يبدو واضحاً أن إبقاء الحال على ما هو عليه، سيتحول مع الوقت إلى تراكمات تدريجية لا يمكن الجزم بمآلها النهائي، وذلك كلّه في ظل حالة من الاستعصاء، فإن جرى إيقاف الحرب دون الوصول إلى نتائج ملموسة وحقيقية فذلك يعني أن الكيان لن يخرج من الحفرة العالق فيها، وإن استمرت الحرب لن يكون الواقع مختلفاً كثيراً، وينطبق هذا على جملة من القضايا الأخرى، مثل: تجنيد الحريديم وغيرها من الملفات الساخنة، وإن حالة الضغط الشديد هذه، من شأنها أن تصبح محرّكاً لعدد كبير من الأزمات، كتلك المرتبطة بتورط مكتب رئيس الوزراء بتسريبات خطيرة لوسائل الإعلام، كشفت عن سلوك محدد يهدف لعرقلة الوصول لوقفٍ لإطلاق النار فضلاً عن تسريب آخر لمشكلة بين الوزير غالانت ومساعدي نتنياهو، كشفت حجم التلاعب الذي كان يمارسه رئيس الوزراء منذ الأيام التالية لعملية طوفان الأقصى.
إن اللحظة التاريخية الحالية مختلفة أشد الاختلاف عن السنوات السابقة، ففي ظل تعمق المأزق «الإسرائيلي» والعرقلة الاستراتيجية التي تعاني منها الولايات المتحدة يظهر على الساحة لاعبون آخرون، فالمقاومة في فلسطين ولبنان والدور الإيراني في هذا الملف ذلك كله يزيد من حالة الضغط القائمة، وتعقّد المشروع الأمريكي-الصهيوني، فالمشكلة الأساسية بالنسبة لمشروع الفوضى الشاملة والهجينة في منطقتنا أنه يرتبط بشكلٍ كبير بآجال زمنية محددة، تكون الجدوى منه معدومة إن تجاوز مدة صلاحيته، وهذا تحديداً ما يمثّل «الضوء في آخر النفق».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200