هل حقّاً شولتز «أبو الفقراء» وما سرّ ما يجري في ألمانيا؟
أزمةٌ سياسيّة كبرى تفجرت في ألمانيا إثر القرار الذي اتخذه المستشار أولاف شولتس، أزمةٌ فرطت عقد الائتلاف الحزبي الثلاثي الحاكم، وأحدثت زلزالاً سياسيّاً كبيراً.. فماذا حدث؟ وما معاني ما يجري في ألمانيا اليوم؟ وكيف ستتجه الأمور هناك؟
قبل أيام، أقال المستشار أولاف شولتس وزير المالية في الحكومة الألمانية كريستيان ليندنر، وبنتيجة ذلك تفاقم الخلاف داخل أروقة الحكومة، ووصل الأمر إلى الحد الذي انسحب فيه وزراء حزب الديمقراطيين الأحرار جميعهم والذي يترأسه ليندنر من الحكومة، بما يمثلون من اتجاهٍ ليبرالي في البلاد.
ماذا قال شولتس؟
جملة من العبارات والقضايا التي غلّف فيها شولتس قراره في إطار تبريره، إذْ قال عن شريكه في الائتلاف: إنه «خان ثقته مراراً» وبأنه يريد أن يخفض الضرائب على الأغنياء، وفي موضع آخر، قال: «نحن بحاجة إلى حكومة قادرة على العمل، ولديها القوة لاتخاذ القرارات اللازمة لبلدنا»، ووسط الفوضى التي أحدثها، حضّ شولتس- بما يمثله من زعامة الحزب الاشتراكي الديمقراطي- شريكيه في الائتلاف (حزب الديمقراطيين الأحرار- حزب الخضر) على «مقاربة براغماتية للتوصل إلى اتفاق».
وسيذهب شولتس إلى طرح الثقة بحكومته أمام البرلمان مطلع العام المقبل، بعد أن طالبت المعارضة بذلك، ومن المتوقع أن يحصل التصويت في 15 كانون الثاني/ يناير من العام المقبل 2025، وعندها يمكن لأعضاء البرلمان اتخاذ القرار فيما إذا كانوا يريدون تمهيد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة أم لا، لتجري في حال اتخاذ القرار بها في نهاية آذار/مارس 2025.
شولتس يدفع المعركة للأمام
على الرغم من ذلك، إن الخلافات حول ذلك احتدمت، فتأجيل طرح الثقة بالحكومة حتى العام المقبل عرّض شولتز لانتقادات كبرى، على رأسها انتقاد زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتز الذي دعاه لطرح التصويت هذا الأسبوع، وعدم إطالة أمد ما أسماه «فترة عدم اليقين».
وشولتس، الذي يتوقع خسارة التصويت بالثقة بعد خسارته الأغلبية في البرلمان، يحاول ويأمل أن يكمل الحكم بصفته رئيس حكومة أقلية حتى منتصف كانون الثاني/ يناير من العام القادم 2025، ولكن نجاح هذا يتطلّب تعاوناً من قبل المعارضة، وهو أمر غير متوفر كما يبدو، ما يرجح أن الأمور ذاهبة باتجاه انهيار حكومي قريب مقبل، غير أن تجربة ألمانيا مع حكومات الأقلية التي شهدتها سابقاً، تُظهر أنها لم تكن قادرة على الاستمرار أكثر من أسابيع قليلة.
ضرائب أم ماذا؟
في كل أحاديثه المرتبطة بالحدث، يركّز شولتز على أن الخلاف مع وزير المالية مرتبط برغبة الأخير في تخفيض الضرائب على الأثرياء، لكن مناقشة بسيطة لواقع الأمر تظهر أن الأمر أبعد من ذلك، فشولتس الذي يظهر بهذا المعنى مناصراً للفقراء ليس في برنامجه ما يؤكّد ذلك، فالاشتراكيون الديمقراطيون في ألمانيا والديمقراطيون الأحرار يحملون البرنامج ذاته في هذا الجانب تحديداً، وإن وجدت تباينات في برنامجي الحزبين فهي طفيفة.
من هنا، فإن الخلافات الجديّة ما بين الطرفين، يبدو أنها مرتبطة إلى حد بعيد بميزانية البلاد التي تعيش أياماً اقتصادية صعبة، تحت وقع ارتفاع معدلات التضخم، وتكاليف المعيشة، إلى جانب أزمة الطاقة الحادة، والتوقعات بعامٍ ثانٍ من الانكماش الاقتصادي في 2025.
غير أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، يضيف مزيداً من الضغط على الاقتصاد الألماني وفق تقرير صادر عن معهد الاقتصاد الألماني «آي دبليو»، فبحال فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 20% على السلع الأوروبية، كما لمّح الأخير خلال حملته الانتخابية، فقد يتسبب هذا في تقلّص الاقتصاد الألماني المعتمد على الصادرات بنسبة تصل إلى 1.5 % خلال الأعوام القادمة.
أوكرانيا في صلب الأزمة
إلى جانب ذلك، فإن الخلافات مرتبطة أيضاً بالملف الأوكراني وطريقة التعاطي معه، فالدعم العسكري والمالي الذي تقدمه ألمانيا لأوكرانيا هو مسألة خلافية شكلياً في ألمانيا، حيث يبدو أن الأحزاب الثلاثة مختلفة ليس على إذا ما كان من الضروري دعم أوكرانيا ام لا ، بل هي مختلفة حول مصادر تمويل هذا الدعم، حيث يقترح وزير المالية عدم تحميل الأعباء للأجيال القادمة، وبالتالي فهو ليس مع رفع سقف الديون، بل يرى أنه من الممكن أن يكون هذا الدعم على حساب المكاسب الاجتماعية للفقراء التي تتمظهر على شكل الدعم الاجتماعي للسكن والعاطلين عن العمل، في حين أن الأحزاب الأخرى (حزب الخضر والحزب الاشتراكي) ترى بأن الديون هي الحل الأنسب حالياً لهذا الموضوع. وهذه المسألة التي تتعالى أصوات الشارع الألماني في رفضها، يبدو أنها وصلت إلى ذروتها مع استمرار الحرب وانعكاساتها السلبية الكبرى على البلد الصناعي الأول في أوروبا. فبعد أن نجحت دول قليلة في أوروبا من هزات كبرى بنتيجة الحرب الجارية في أوكرانيا حتى الآن، يبدو أن هذا المسار بدأ يصطدم بجدار كبير، ومن غير الممكن أن يستمر بالطريقة ذاتها خلال الأيام القادمة.
أسئلة كبرى مفتوحة للأيام المقبلة التي ستشهدها ألمانيا، والتي تبدو الخيارات فيها كلها متاحة، في واقع داخلي محتدم وضاغط، لا ينبئ بأيام سياسية هادئة، بل صاخبة، وتحمل تحولات كبرى...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200