«طموح» واشنطن أبعد من غزّة وجنوب لبنان

«طموح» واشنطن أبعد من غزّة وجنوب لبنان

عادت طِهران خلال الأيام والساعات الماضية لتأكيد عزمها الردَّ على الهجوم «الإسرائيلي» المدعوم أمريكياً في 26 تشرين الأول الماضي، ما يثبّت مجدداً قواعد اشتباكٍ جديدة تفرضها إيران في المنطقة، وتعمل من خلالها بشكلٍ محدد على تعطيل مشروع الفوضى الأمريكي الموكَل مباشرةً إلى جيش الاحتلال الصهيوني.

يمكننا أن نستنتج بالرغم من حجم التباين بين التصريحات «الإسرائيلية» والإيرانية حول مدى وأثر الضربات الأخيرة، أن الكيان ذهب في هجومه إلى مدىً لا يمكن للقيادة في طهران أن تتركه دون رد. ونقلت جريدة نيويورك تايمز عن مسؤولين إيرانيين مجهولين قولهم إن المرشد، وفي اجتماع مع مجلس الأمن القومي الأعلى أشار إلى أن نطاق الهجوم الصهيوني وما نتج عنه من استشهاد ما لا يقل عن أربعة جنود من الجيش «كان كبيراً للغاية بحيث لا يمكن تجاهله». ويذهب المرشد، إذا ما صدقت مصادر الجريدة الأمريكية، إلى استنتاج مفاده أن «عدم الرد يعني الاعتراف بالهزيمة».

اتجاهٌ مؤكَّد

ما نقلته نيويورك تايمز قد لا يكون دقيقاً أو أنّهُ جزءٌ من حملات التضليل الأمريكية المنظمة، ولكن مجموعة من المسؤولين الإيرانيين وعلى أعلى المستويات أكدوا الاتجاه العام الذي تلتزم به طِهران، واتفقت كل تلك التصريحات مع أنَّ قرار الرد اتُّخذ بالفعل، ففي كلمةٍ للمرشد الأعلى علي خامنئي أمام طلابٍ في طهران يوم السبت 2 تشرين الثاني الجاري، قال إنّ: «على العدوَّين، الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، أن يعلما أنهما سيتلقيان بالتأكيد رداً قاسياً على ما يفعلانه ضد إيران ومحور المقاومة»، مؤكداً في الوقت ذاته أن المحرك الأساسي في اتخاذ قرار الرد لا ينبع من فكرة «الانتقام» بل هو «تحرّكٌ منطقي لمواجهة الاستكبار العالمي».
ومن جانبه أكّد قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، أن «إسرائيل» ستتلقى رداً كبيراً على عدوانها الأخير ضد إيران مع تأكيدٍ من نائبه علي فدوي قدرةَ إيران على «استهداف كل ما لدى [إسرائيل] في عملية واحدة».

المنطقة تواجه عدواناً شاملاً

إن دخول الكيان الصهيوني في الحرب الأطول في تاريخه، وخروجه من مظلّته الاستراتيجية «الحروب القصيرة الخاطفة» يحتاج إلى وقفةٍ ضرورية، فنحن أمام تحوّلٍ كبيرٍ وتاريخي في سلوك العدو الصهيوني، والعنصر الأهم في قراءة هذا التحول هو إدراك الدور الأمريكي المحوري والحاسم في التخطيط وتأمين كل احتياجات جيش الاحتلال اللوجستية الضرورية لتنفيذ ما يُرسم في واشنطن، وهو ما بلغ حدَّ نشر قواتٍ أمريكية بشكلٍ مباشر في البحر والبر.
أي أن المنطقة اليوم تقف في مواجهة مشروعٍ أمريكي-صهيوني بأدوات متنوعة يشكّل العدوان العسكري أحد جوانبها فقط، وبدا واضحاً منذ اللحظات الأولى أن المطلوب في غزّة هو إدامة الاشتباك لأطول مدّةٍ ممكنة، أملاً في خلق بؤرةٍ مُولّدةٍ لضغط شديد ترخي بظلالها على دول الإقليم كلّها، ولمّا كان «الطموح» الأمريكي-الصهيوني كبيراً لهذا الحد لم تكن غزّة وحدها كافية! واضطر العدو لتوسيع هجومه عبر تطوير عدوانه في القطاع ومن ثم لبنان واليمن بالإضافة إلى ضربات متواصلة على سورية، وصولاً إلى توجيه ضربات مباشرة داخل إيران، وإن توسيع نطاق العملية العسكرية لهذا الحد ودخول جيش الاحتلال في اشتباك مباشر على سبع جبهات، بحسب مسؤوليه، يؤكد أن أيّاً من هذه الجبهات لا تحقق المطلوب أمريكياً، ولذلك كان هذا العدوان الشامل، ورغم مخاطره على الكيان والولايات المتحدة، ممراً إجبارياً للخروج من أزمة عميقة ومتفاقمة، وعلى هذا الأساس انصهرت «ساحات» الاشتباك أكثر في جبهة واحدة، وسيسجل التاريخ أن المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة استشرفت ذلك وعبّرت عنه سياسياً وعسكرياً وهو ما شكّل عقبة كبرى أمام المخطط المعادي، وجاء «طوفان الأقصى» هجوماً استباقياً فَرَضَ شروطاً غير متوقعة لصالحنا في المعركة المحتومة.

ماذا تريد واشنطن من طهران؟

إن حصر ما يجري ضمن إطار مواجهة بين «إسرائيل» وإيران هو خللٌ خطير في قراءة ما يجري، إنْ لم يكن مساهمةً فاعلة في المخطط الأمريكي، الذي اقتضى عزل الساحات عن بعضها البعض، وتشويش الرؤية. فيمكننا القول إن الولايات المتحدة تحدد خطواتها على أساس تحقيق الهدف الأساسي في تفجير المنطقة داخلياً بالاعتماد على الضغط العسكري المباشر، وما يصاحبه من حرب إعلامية سياسية خبيثة، ويكون توسيع وتطوير الهجوم في أي اتجاهٍ مطلوبٍ طالما يحقق ذلك الهدف ولا شيء غيره، فالهجوم على إيران ليس هدفاً قائماً بحدّ ذاته في هذه اللحظة، بل هو خطوة في نقلات معقدة على رقعة الإقليم، ولذلك يتحول الدفاع الإيراني النشط إلى إعاقة جِدّية في هذا الاتجاه، ويتحوّل كل إنجاز إيراني إلى تهديدٍ مباشر للمشروع الأمريكي-الصهيوني برمّته، وينطبق هذا على المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وفي لبنان، فإن كانت حماس مثلاً غير قادرة على منع العدوان على غزّة فهي قادرة على تحويل هذه الأرض إلى محرقة لجنود وآليات الاحتلال، ما يعظِّمُ خسائره، وفي لبنان ينجح حزب الله في إيلام العدو وإعاقة تقدمه مع تحميله خسائر غير مسبوقة وتنجح المقاومة في لبنان في تنفيذ عمليات نوعية

«وحدة الساحات» هي الخيار الوحيد وهي الضامن الأهم لإفشال مشروع الفوضى الهجينة، هذا ما يؤكده الواقع، فالمشروع الخطير أساسيٌّ في الاستراتيجية الأمريكية على المستوى العالمي. وإنّ ضرب هذه الخطوة من شأنه أن يعرقل واشنطن ومساعيها ويضعها في موقع استراتيجي متأخِّر على الساحة العالمية، فكل يوم تتأخر فيه الولايات المتحدة لا يمكن تعويضه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1199