قضايا الشرق .. فصل جديد من الحرب الإعلامية السياسية
شغل كتاب «الحرب» للصحفي الاستقصائي الأمريكي بوب وودوورد الساحة الإعلامية في المنطقة والعالم، وذلك بالرغم من صدوره حديثاً، فالكتاب بات متاحاً بشكلٍ رسمي في 15 تشرين الأول الماضي، ثم لم تَمضِ بضعةُ أيام حتى انتشرت نسخةٌ معرّبةٌ منه يجري تداولها على نطاق واسع، وتحديداً بعد الضجة الكبرى التي أحدثتها المقالات التي نشرت مقتطفات مثيرة ممّا جاء فيه!
ومن الجدير بالذكر أن بوب وودوورد هو من فجر بكتاباته فضيحة «ووتر غيت» الشهيرة، ورغم أنه حينئذ لم يفصح عن مصادره، إلا أنه وبعد عشرين عاماً من تلك الفضيحة أفصح عن مصدر معلوماته الذي هو نائب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، ما يعني أنه كان يعمل بطريقة مباشرة لصالح FBI.
إنّ ما يثير الاهتمام حقاً حول الكتاب الذي عمل عليه وودوورد هو اعتماده على مئات المصادر المطّلعة وأشخاصٍ نافذين في الإدارة الأمريكية، ويشير الكتاب إلى أنّ فريق العمل الذي قاده وودوورد أجرى لقاءات مسجّلة مباشرة مع هذه الشخصيات لتمتلئ صفحاته بالكثير من حوارات سرّية تجري عادةً خلف الأبواب المغلقة، لكن وما إنْ يقرأ المرء بعضاً مما جاء فيه حتى يدرك أن تسريب كل هذه المعلومات، التي يمكن أن يكون بعضها ملفَّقاً، وفي ظرفٍ حساسٍ كهذا يجعلُ من الكتاب أحدَ أدوات الصراع، ولا يمكن النظر إليه من زاوية «الصحافة الاستقصائية»، فالمسؤولون الذين أدلوا بشهادتهم هذه كانوا يعرفون تماماً أثر هذه المعلومات ويتوقعون بالتالي نتائجَ محددة.
فالمعروف أن معلوماتٍ حسّاسة كهذه تحتاج في أحسن الأحوال عقوداً حتى تكون متاحةً للجمهور العام الواسع، لكن الغرض الأساسي هنا لم يكن «كشف الحقائق» بقدر ما كان تأجيجَ الحرب الإعلامية السياسية داخل وخارج الولايات المتحدة، هذا فضلاً عن كون الكتاب يركّز بشكلٍ أساسي على كواليس الإدارة الأمريكية خلال «الحروب الثلاث»: الحرب في أوكرانيا ومعركة طوفان الأقصى وما تلاها، مع تركيز على الصراع الأمريكي الداخلي.
وما جعل الكتاب رائجاً في المنطقة العربية هو ما حمله من «تسريبات» لمحادثات دبلوماسية وأمنية سرّية بين أعضاء الإدارة الأمريكية الحالية وعدد كبير من المسؤولين والرؤساء العرب حول الحرب الدائرة في غزّة ولبنان والأجواء الملتهبة في الإقليم، وإذا كان فهم وتفسير ما جاء فيه بدقّة، أو حتى التأكد من صحته، يحتاج إلى قراءة متأنية ورصد دقيق لردود الفعل الرسمية والإعلامية عليه، فإنّ ما يظلّ واضحاً هو أنّ الهدف الأساسي يصب تماماً في مصلحة مشروع الفوضى الأمريكي، فتسريباتٌ من هذا النوع يجري انتقاؤها بعناية شديدة ومن ثمّ تقدَّم إلى جمهورٍ من غير المختصّين فتحقِّقُ بذلك هدفَين أساسيَّين: الأول هو توتير العلاقات البينية بين دول الإقليم وزيادةُ مستويات الضغط الحاصلة فعلياً، أمّا الهدف الثاني فينصبُّ على التأثير بشكلٍ كبير على الرأي العام في المنطقة، وتصوير البنى السياسية القائمة فيها على أنّها عاجزة تماماً بل وتقدّم خدمات مجانية لواشنطن، وهو تبسيط شديدٌ للواقع يأملُ من يقف خلفَه أنْ يشلَّ قدرةَ شعوب المنطقة على مقاومة المشروع الأمريكي وتعطيله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1199