«الإسناد» مستمر... ولا عودة للشمال

«الإسناد» مستمر... ولا عودة للشمال

فرضت الأحداث الأخيرة ضرورة تقدير الموقف العام في المنطقة، على ضوء العدوان الصهيوني الجديد، فقيادة الكيان انتقلت إلى ذروة تصعيد جديدة قد لا تكون الأخيرة، استهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، والذي استشهد على إثره الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مع آخرين من قادة الحزب، هو بلا شك ضربة قاسية لكن يبقى السؤال الأهم: هل هي «ضربة قاضية» كما يروّج البعض؟!

تحمل لحظة الإعلان الصهيوني عن الاستهداف معنىً سياسياً لا يجوز القفز فوقه، فرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو صعد إلى منصة الأمم المتحدة ليلقي كلمة في الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لينسحب في تلك اللحظة عددٌ كبيرٌ من الوفود المشاركة، وأصبحت القاعة شبه فارغة، وسط محاولة الوفد الصهيوني التغطية على الاحتجاج الدبلوماسي عبر تصفيق متواصل.

الكيان يعلن العصيان

نتنياهو، ومن على منصة الأمم المتحدة، وصف المنظمة الدولية بأنّها «بيت الظلام» الذي أصبح موطناً للفلسطينيين، وبأن وجوده على هذه المنصة يهدف إلى تفنيد «الأكاذيب والافتراءات» التي طرحت من على المنبر حسب تعبيره. في الواقع، لا يعتبر الموقف الصهيوني من الشرعية الدولية والمنظمات التي تمثلها جديداً، ولكن الجديد اليوم أنّه بات موقفاً معلناً، ويطرح من على منصة الأمم المتحدة بالذات، ما يؤكد أن الخسارة السياسية التي لحقت بالكيان والولايات المتحدة باتت مؤثرة وضاغطة، فأغلبية شعوب العالم ترى في الكيان الصهيوني خطراً حقيقياً لا يمكن العيش معه، بل ينبغي إنهاء المشروع الصهيوني في المنطقة والعالم، وهذا هو «التهديد الوجودي» الذي يستشعره الكيان، فمستقبله موضوع بالفعل على طاولة البحث، بل يمكننا القول: إن عملية طوفان الأقصى وما لحقها من أعمال بطولية في الداخل المحتل، ولبنان واليمن والعراق، مع ما رافق ذلك من موجة دعم وتعاطف من شعوب العالم، هي كلّها عوامل فرضت وضع مستقبل الكيان على الطاولة، وشكّلت تهديداً حقيقياً ﻷخطر مشروع استعماري توسعي في العصر الحديث.

ماذا حققت جبهة الإسناد؟

القصد مما سبق، هو وضع الأمور في سياقها الصحيح، قبل القفز إلى الاستنتاجات المتسرعة، فاستشهاد حسن نصرالله هو ضربة قاسية بلا شك، فحزب الله أطلق عمليات مستمرة حتى اللحظة لإسناد المقاومة الفلسطينية، وأعلن منذ اللحظات الأولى: أن الهدف من هذه العملية هو منع كسر المقاومة الفلسطينية، وحرمان الكيان من تحقيق أي نصر سياسي، وبرهنت الأيام أن عمليات المقاومة في لبنان كانت سنداً حقيقياً للمقاومة الفلسطينية، واستطاعت بكل تأكيد أن تعيق الكيان وتعمّق أزمته، بل فرّغت الأراضي المحتلة في شمال فلسطين من محتليها، وتحوّل أكثر من 70 ألف مستوطن من النازحين إلى ثقل كبير على الكيان. ولأن الضرر الذي ألحقه حزب الله بالكيان كان كبيراً، فليس غريباً أن يكون الرد الإجرامي كبيراً ومؤذٍ أيضاً! فاستشهاد قيادات بارزة في الحزب كان على رأسهم حسن نصر الله، هو دليل لا لبس فيه على أن المقاومة اللبنانية تنجح في مبتغاها وأهدافها، وعلى هذا الأساس تكون دماء شهدائها ثمنٌ دُفع في سبيل إنهاء المشروع الصهيوني.

هل حققوا أهدافهم؟

أدت الولايات المتحدة الدور الرئيس في وضع أهداف حرب الكيان، وعملت على ضبط سلوكه بما يحقق أهدافها وأهداف المشروع الصهيوني، التي ركّزت منذ اللحظة الأولى على رفع درجات الحرارة حتى حدودها القصوى، أملاً في تحويل برميل البارود في الشرق الأوسط إلى نار ملتهبة عبر العمل على تفجير المراكز الأساسية التي تحافظ على استقرارها النسبي حتى اللحظة، وعلى طريق تحقيق هذه الأهداف القذرة، كان من المطلوب إحراز عدد من الخطوات، على رأسها ضرب أي تقارب عربي- إيراني، وتوتير العلاقة بين القوى الإقليمية الأساسية، وتحديداً ضرب ما جرى إنجازه من تفاهمات سعودية- إيرانية، أملاً في إعادة إحياء أفكار بالية، مثل: «إنشاء جبهة عربية-صهيونية لمواجهة المشروع الإيراني» والترويج لمقولات، مثل: «إن مصدر الخطر الأساسي في المنطقة هو إيران لا الكيان الصهيوني»، ومن جهة ثانية كان الهدف الأمريكي- الصهيوني يركز على استثمار ما يجري لتأجيج التناقضات، في بلدان مثل: مصر والسعودية على أمل أن تشهد جبهاتها الداخلية انفجارات لا تُبقي ولا تذر.

«محور الشر» الصهيوني- الأمريكي لم ينجح في تحقيق أهدافه، فإيران والدول الإقليمية الأخرى أدركوا أنهم المستهدفون، ولذلك تضمّن ردهم  بحده الأدنى حرمان الكيان والولايات المتحدة من تحقيق أهدافهم، وعمل حزب الله في لبنان بطريقة منضبطة، ونجح في التصعيد بشكل تدريجي مدروس، ما مكّنه من الحفاظ على «وحدة الساحات»، وهذا تحديداً ما فرض على الكيان البحث عن إنجازات أخرى يمكن تحقيقها، فاغتيالات قيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية ألحقت خسائر في صفوفها، ولكنّها لن تكون كافية لتحقيق أي هدف استراتيجي، فجزء أساسي من تاريخ منظمات المقاومة هو في الواقع قائمة طويلة من شهدائهم، ولم يقدم تاريخنا المعاصر أي مثال حقيقي نجح فيه الكيان الصهيوني بإنهاء أي فصيل عبر اغتيال قيادته، بل أقصى ما حققه، هو إرباك مؤقت في أحسن الأحوال، تلاه إعلان تلك الفصائل عن صواريخ وعمليات حملت أسماء هؤلاء الشهداء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1194
آخر تعديل على الإثنين, 30 أيلول/سبتمبر 2024 02:25