الصراع الغربي- الروسي يدخل مرحلة أكثر تعقيداً!
في خضم دخان الحرب الأوكرانية، وبين أصداء الصواريخ وأصوات الدبلوماسية المتشابكة، تتبدد الخيوط بين الغرب والشرق كأنها خيوط عنكبوت تتلاشى في ريحٍ عاتية. وفي هذه اللحظات الحرجة، حطَّت أقدام الدبلوماسية الغربية على أراضي كييف، حاملةً معها رسائل التضامن والتحدي بآن معاً، بينما اكتسبت كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طابع التحذير، مشيرةً إلى احتمالاتٍ قد تقود العالم نحو مواجهة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ عقود.
شهدت الأيام الماضية زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى كييف، وهذه الزيارة جاءت في إطار حملة دعائية غربية تستهدف تكريس المواجهة مع روسيا، ويبدو أنها تسعى لزيادة الضغط على موسكو، ودفع الصراع نحو مزيدٍ من التصعيد.
الزيارة المشتركة التي قام بها بلينكن ولامي لأوكرانيا تأتي في لحظة مفصلية، وتُعدّ رسالة رمزية تهدف إلى ترسيخ النفوذ الغربي في أوكرانيا، وتحفيز مزيد من التدخلات الغربية في المنطقة، سواء عبر الدعم العسكري أو الاقتصادي. لكن موسكو من جانبها تدرك هذه الاستراتيجية الغربية، وتتعامل معها بحذر، مع تأكيدها على ضرورة حماية مصالحها الحيوية في المنطقة.
العمق الروسي: ما وراء الستار
ربطاً مع أحداث الأسابيع القليلة الماضية، فإن العمليات التي استهدفت العمق الروسي، سواء كانت هجمات على البنية التحتية، أو عبر هجمات سيبرانية، تنسجم مع السياق الغربي ذاته، فهي تصعيد خطير لا يمكن فصله عن الزيارة الأخيرة، فهي تشير إلى نية الغرب في نقل المعركة إلى الداخل الروسي.
وفي هذا السياق، جاء تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كرسالة واضحة للغرب: أي تصعيد يستهدف روسيا بشكل مباشر سيعتبر بمثابة إعلان حرب، فقد أكد بوتين: أن هذه الخطوات العدائية قد تدفع دول حلف الناتو للدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع روسيا، وهو أمر يحمل تداعيات خطيرة على السلم والأمن العالميين.
العلاقات الروسية- الغربية: تدهور متسارع...
لفهم هذا التحذير الروسي، من الضروري إلقاء نظرة على تطور العلاقات الروسية- الغربية منذ عام 2014. فبعد الأزمة الأوكرانية، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، بدأت الدول الغربية في فرض عقوبات قاسية على موسكو، ساعية لتقويض استقرارها الداخلي، وفرض عزلة اقتصادية عليها. لكن الرد الروسي كان متزناً، حيث سعت موسكو للحفاظ على سيادتها وتوجيه سياساتها نحو تعزيز استقلالها الاقتصادي والسياسي.
ومنذ عام 2022، دخلت العلاقات بين روسيا والغرب مرحلة جديدة من التوترات مع بداية العملية العسكرية في أوكرانيا. وهذه المواجهة ليست مجرد خلاف حول أوكرانيا، بل هي مواجهة استراتيجية شاملة تستهدف من خلالها الدول الغربية إضعاف روسيا، وإخراجها من المعادلة الدولية، إلّا أن روسيا، من جانبها، تدرك أن الغرب يسعى لعزلها، وتعمل بجد على مواجهة هذا التحدي من خلال تقوية علاقاتها مع شركاء جُدد وتعزيز قدراتها الداخلية.
نحو الشرق
إحدى النتائج الطبيعية لهذا التصعيد الغربي، كانت تعزيز روسيا لتوجهها نحو الشرق، حيث تسعى موسكو لبناء تحالفات جديدة مع دول، مثل: الصين والهند. وهذه الخطوة لا تأتي كرد فعلٍ مؤقتٍ، بل هي استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى بناء شراكات اقتصادية وسياسية جديدة، بعيداً عن النفوذ الغربي.
وهذا المسعى الروسي يعزز من قدرة روسيا على الصمود أمام الضغوط الغربية من جانب، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع القوى الصاعدة في آسيا من جانب آخر. وكان بوتين واضحاً في أكثر من مناسبة، بأن روسيا ترى في الشرق بديلاً استراتيجياً عن الغرب، وأن هذا التوجه لن يكون مجرد خطوة اقتصادية، بل هو جزء من رؤية شاملة لإعادة بناء النظام العالمي.
الاستعداد لمواجهة محتملة مع الناتو
من اللافت هنا، أن التصريحات الصادرة عن القيادة الروسية تشير إلى استعداد موسكو لسيناريوهات أكثر تعقيداً، بما في ذلك احتمال نشوب مواجهة مباشرة مع دول حلف الناتو. فموسكو تعمل بهدوء على تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، استعداداً لأي تصعيد محتمل من قبل الغرب.
وتعتمد الاستراتيجية الروسية على نفس طويل ورؤية واضحة للمستقبل، إذ أشار بوتين إلى أن روسيا مستعدة لكل الاحتمالات، بما في ذلك احتمال تحويل المواجهة الحالية إلى مواجهة شاملة مع الغرب، وهذه الاستعدادات ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل هي جزء من خطة شاملة تهدف إلى حماية مصالح روسيا، والحفاظ على سيادتها واستقلالها في وجه التحديات الخارجية.
ختاماً، يبدو أن الصراع بين روسيا والغرب قد دخل الآن مرحلة جديدة أكثر تعقيداً. فالغرب يسعى لتصعيد المواجهة واستهداف العمق الروسي، في حين تواصل روسيا تعزيز قدراتها وتحالفاتها، مدركة أن المواجهة مع الغرب قد تكون حتمية في المستقبل. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه:
هل ستتمكن المساعي الدبلوماسية العالية من تجنب هذا السيناريو الكارثي، أم أن العالم سيشهد مواجهة شاملة بين روسيا ودول الناتو؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192