الصين- أفريقيا: «كتفاً بكتف في خضم مشهد دولي متغير»
تُعقد القمة الحالية للمنتدى الذي يجمع الصين بالدول الأفريقية تحت عنوان «التكاتف لتعزيز التحديث وبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى بمستقبل مشترك»، المنتدى الذي انطلقت أعماله لأول مرة في عام 2000، يعقد الآن بنسخته التاسعة بصيغة قمة تجمع قادة الدول، حيث يمثل أكبر حدث دبلوماسي تنظمه بكين منذ جائحة كوفيد-19.
تعقد القمة كل ثلاث سنوات بالتناوب بين بكين وعواصم أفريقية، لتعزيز علاقات التعاون على جميع المستويات، ضمن إطار جديد للعلاقات الدولية يقوم على مبدأ «رابح- رابح».
لمحة عن تاريخ العلاقات الصينية الأفريقية
تحتفظ الصين بموقعها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لـ 15 سنة على التوالي، وهو دليل على عمق الشراكة الاقتصادية بين الجانبين. فقد حققت التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا رقماً قياسياً بلغ 282.1 مليار دولار في عام 2023، بزيادة حوالي 11% مقارنة بعام 2021. ومنذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ساهمت الصين في بناء أو تحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، و100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، و1000 جسر، ونحو 100 ميناء في مختلف دول القارة.
10 خطط عمل للشراكة لدفع مسيرة التحديث المشترك
أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن 10 خطط عمل للشراكة سيتم تنفيذها خلال السنوات الثلاث المقبلة، تشمل مجموعة متنوعة من المجالات. تهدف هذه الخطط إلى تعزيز التعلم المتبادل بين الحضارات، وازدهار التجارة، والتعاون في السلاسل الصناعية، والترابط في البنية التحتية، والتنمية، والصحة، والزراعة، وسبل المعيشة، والتبادلات الشعبية والثقافية، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك، حيث ستعمل الصين مع أفريقيا لبناء منصة لتبادل الخبرات في مجال الحوكمة، وإنشاء شبكة معرفة مشتركة من أجل التنمية. سيتم تأسيس 25 مركزاً للدراسات المتعلقة بالصين وأفريقيا.
في مجال التبادل التجاري، ستفتح الصين أسواقها بشكل أوسع طوعياً، حيث سيتم منح الدول الأقل نمواً منها 33 دولة أفريقية معاملة بدون رسوم على جميع الخطوط الجمركية. وأضاف شي: إن هذا جعل الصين أول دولة نامية رئيسية، وأول اقتصاد رئيسي يتخذ مثل هذه الخطوة، الأمر الذي سيساعد في تحويل السوق الصينية الكبيرة إلى فرصة كبيرة لأفريقيا.
أما بخصوص السلاسل الصناعية، ستطلق الصين برنامجاً لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة في أفريقيا، مع بناء مركز تعاون للتكنولوجيا الرقمية، وتنفيذ 20 مشروعاً نموذجياً رقمياً. وفي ميدان المواصلات والبنية التحتية: سيتم تنفيذ 30 مشروعاً لربط البنية التحتية في أفريقيا، في إطار التعاون المشترك ضمن مبادرة الحزام والطريق.
وللتنمية حصة كبيرة، إذ ستصدر الصين بياناً مشتركاً مع أفريقيا حول تعميق التعاون في إطار مبادرة التنمية العالمية، مع تنفيذ 1000 مشروع «صغير وجميل» لتحسين سبل العيش. وكذلك الوضع في القطاع الصحي، سيؤسس تحالف للمستشفيات المشتركة بين الصين وأفريقيا، مع إرسال 2000 عامل طبي، وإطلاق 20 برنامجاً للمرافق الصحية.
وستقدم الصين مليار يوان (حوالي 140 مليون دولار أمريكي) كمساعدات غذائية طارئة، وترسل 500 خبير زراعي إلى أفريقيا، وتؤسس تحالفاً للابتكار الزراعي. وسوف توفر حوالي 60 ألف فرصة تدريب لشعوب أفريقيا، تركز بشكل خاص على النساء والشباب، مع إنشاء أكاديمية لتكنولوجيا الهندسة وبناء 10 ورش عمل. بالإضافة إلى إطلاق 30 مشروعاً للطاقة النظيفة في أفريقيا، والعمل على إنشاء منتدى صيني- أفريقي حول الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية.
وفي مجالات الأمن المشترك، ستعمل الصين على بناء شراكة مع أفريقيا في إطار مبادرة الأمن العالمي، مع تقديم مليار يوان كمساعدات عسكرية.
مشاريع لتطوير القطاعات الحيوية
على هامش المنتدى، عقد القادة الأفارقة سلسلة من الاجتماعات مع نظرائهم الصينيين، تمخضت عن تعهدات ومشاريع كبيرة تشمل مختلف مجالات البنية التحتية والتنمية. من أبرز هذه المشاريع: صفقة بين شركة الطاقة الحكومية «زيسكو» في زامبيا، ومجموعة «باور تشاينا» الصينية لتطوير قطاع الطاقة الشمسية في البلاد. وقعت نيجيريا بياناً مشتركاً مع الصين لتعميق التعاون في مجالات تطوير البنية التحتية، والطاقة، والموارد المعدنية. وحصلت تنزانيا على التزام من الصين بتسريع أعمال بناء خط سكة حديد يربط بلادها بزامبيا، مع تقديم مليار دولار لدعم هذا المشروع الحيوي.
وقعت زيمبابوي اتفاقيات مع الصين لتطوير مشاريع في مجالات الزراعة، والتعدين، والطاقة التقليدية والصديقة للبيئة، والبنية التحتية للنقل. كما تم الاتفاق على تصدير الأفوكادو الزيمبابوي إلى الأسواق الصينية.
كينيا: أعلن الرئيس الكيني وليام روتو أن الصين ستفتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية الكينية، إلى جانب اتفاقات أخرى تتعلق بمشاريع للطرق والسكك الحديدية.
الديون: حقيقة أم فزاعة؟
رغم ما يُثار من مخاوف حول استخدام الصين للقروض كأداة للسيطرة على اقتصادات أفريقيا، تُشير الحقائق إلى أن الصين ليست السبب الرئيسي لأزمة الديون في القارة. فقد ارتفع الدين العام في أفريقيا إلى 1.8 تريليون دولار أمريكي، بمعدل نمو أعلى بـ 300% من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن الدائنين من القطاع الخاص الغربي يحتفظون بنحو 35% من الديون الخارجية لأفريقيا، وهي نسبة أعلى بكثير من الـ 12% المستحقة للمقرضين الصينيين.
الغرب الذي استعمر واستغل ثروات أفريقيا لعدة قرون يلعب اليوم دور الناصح للدول الأفريقية «المتخلفة» والتي يجب عليها الحذر من العلاقات الاستراتيجة مع القوى الكبرى في العالم، فهي ستبقى بنظر الغرب خاسرة والطرف الأضعف! وتنتشر مجموعة هائلة من التحليلات بأن الصين لا تضع قيوداً على القروض التي تقدمها للأفارقة كحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، ولا تهتم للحوكمة الرشيدة وجميع الأكاذيب التي كانو يمارسون هيمنتهم على الدول الأفريقية من خلالها لعشرات السنين، ورغم اعترافهم جزئياً بأخطائهم في أفريقيا، ولكنهم مع طيف واسع من أتباعهم لم يدركوا بعد أن أفريقيا أصبحت تسير في طريق أن تكون قطباً، وبأنه يجب على جميع القوى الإقليمية والدولية النظر والتعامل معها بندية وباحترام، وهذا ما تفعله الصين حيث لا تنكر الفوائد التي تحصل عليها من خلال علاقاتها المتميزة مع الدول الأفريقية إن كان بالمعنى السياسي أو الاقتصادي والتنموي، والأهم من ذلك بالمعنى الاستراتيجي.
في حين نشر مقال في مطلع الـ 2000 في مجلة الأيكونومست بعنوان «أفريقيا البائسة» ليعبر عن مستقبل أفريقيا الكارثي وانتشار الفقر والبطالة والفساد، توجهت الصين إلى أفريقيا لتكون إحدى ركائز سياستها وتطورها المستقبلي، لدرجة أن وزير الخارجية الصيني تحدث عن تقليد في الدبلوماسية الصينية، حيث أشار وانغ يي خلال مؤتمر صحفي عُقد على هامش مؤتمر المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في مارس 2024، قائلاً: «إن اختيار وزراء خارجية الصين أفريقيا لتكون محطة أولى في زياراتهم السنوية للخارج، هو تقليد دبلوماسي استمر 34 عاماً، وهو تقليد فريد ولا مثيل له في تاريخ التبادلات الدولية، وذلك لأن الصين وأفريقيا تجمعهما الأخوة وتعاملان بعضهما البعض بإخلاص، وتتشاركان مصيراً مشتركاً... وأننا حاربنا كتفاً بكتف ضد الإمبريالية والاستعمار، لقد دعمنا بعضنا البعض في السعي لتحقيق التنمية، لقد دافعنا دائماً عن العدالة في خضم مشهد دولي متغير».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1191