دلالات المشهد المصري- التركي الجديد!
أحمد علي أحمد علي

دلالات المشهد المصري- التركي الجديد!

بينما تعجّ المنطقة بالمتغيرات، تأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا لتفتح نافذة جديدة في جدارٍ من التوترات، التي لطالما أحكمت قبضتها على العلاقات بين البلدين. 

وما جرى ليس مجرد لقاء رسمي عابر، بل مشهد يعكس تحوّلات أعمق في السياسة؛ تحوّلات تكشف عن واقع تحكمه المصالح المشتركة التي لا تستطيع تجاهلها القاهرة وأنقرة. إذ تجد الدولتان نفسيهما مضطرتين لإعادة ضبط البوصلة السياسية، وتصفير المشاكل وسط رياح عاتية تهبّ من الغرب، وتلوح بمشاريع لا هدف لها سوى تعميق الفوضى الشاملة الهجينة في المنطقة.
تحمل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا في طياتها دلالات سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، خصوصاً في ظل توقيع البلدين اتفاقيات متعددة تعكس توجهات جديدة في العلاقات الثنائية. إذ شملت الاتفاقيات التي وُقِّعت مجالات التجارة، الاستثمار، الطاقة، والبنية التحتية، وهي تشير إلى بداية فصل جديد من التعاون الاقتصادي بين البلدين.

حول السياق السياسي للزيارة

يتوجب الفهم العميق للزيارة وضعها ضمن سياق التحولات الإقليمية والدولية التي تتشابك فيها مصالح البلدين، فمن الملف الفلسطيني إلى الأوضاع في أفريقيا، نجد أن القاهرة وأنقرة تتحركان ضمن مشهد تتقاطع فيه الأولويات الاستراتيجية لكلا البلدين.
على سبيل المثال: تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا، وآخر ما حرر في هذا الإطار، هي زيارة وفد تركي رفيع بقيادة وزير الخارجية ووزير الدفاع إلى النيجر في تموز/يوليو 2024، وتوقيع العديد من الاتفاقيات. وإلى جانب هذا نجد أن التوسع الاقتصادي الذي تقوم به تركيا في أفريقيا ملحوظ، وأحد المؤشرات التي يمكن ذكرها في هذا السياق، هو حجم التجارة بين الطرفين التي بلغت أكثر من 40 مليار دولار في عام 2022.
وفي الوقت نفسه، تحظى أفريقيا بأهمية كبيرة في السياسة الخارجية المصرية باعتبارها ساحة فعل ترتبط بقضايا مهمة، وبعضها وجودي بالنسبة لمصر، وربما الإشارة إلى مسألة الأمن القومي المائي المصري المرتبطة أشد الارتباط بحوض النيل وإثيوبيا والسودان كافية في هذا السياق.
والملف الفلسطيني أيضاً، وبما ينطوي عليه من حساسية عالية في المنطقة والعالم، تحديداً في الفترة ما بعد «طوفان الأقصى»؛ يقع ضمن دائرة اهتمام البلدين، وهنالك مساعٍ يبذلها البلدان باتجاه لعب أدوار رئيسية في التوسط لحلول سلمية واستعادة الاستقرار في المنطقة.

«صفر مشاكل»

استناداً لهذا، يبدو أن هذه الزيارة تأتي في ظل سعي كل من القاهرة وأنقرة إلى سياسة «صفر مشاكل» فيما يتعلق بالجوار، وهذه الاستراتيجية تبدو الأكثر عقلانية في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة. فسواء في «الشرق الأوسط» أو شمال أفريقيا، تدفع التحديات الأمنية والاقتصادية المتنامية لاعتماد سياسة براغماتية تركز على المصالح طويلة الأمد، بدلاً من الانجرار وراء النزاعات التقليدية.

ما بين التصريحات والمصالح

مع هذه المساعي والعقلية الجديدة، فإن صفحة جديدة تفتح، وتطوى صفحات الماضي، ففي وقت سابق كان قد أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات شديدة اللهجة تجاه السيسي. وعلى سبيل المثال: وصف أردوغان السيسي بـ «الانقلابي» خلال خطاباته بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وهو ما تسبب في توتر العلاقات بين البلدين.
إلّا أن هذه التصريحات، التي قد تبدو مهمة بلحظة ما من منظور إعلامي، لا تحدد ولا تعكس السياسة الخارجية الفعلية لتركيا في نهاية المطاف، وما يحدد عملياً هي المصالح الاقتصادية والجيوسياسية العميقة، والتي بدأت تتجسد الآن.

ضربة موجعة لأمريكا!

الأمر المهم الذي يجب أن يوضع في الحسبان، هو أن مصر، وبوصفها إحدى الدول العربية الأساسية، هي من الدول المستهدفة بمحاولة تفجيرها من قبل الولايات المتحدة والغرب في هذه الأيام. وهي مستهدفة لأن زعزعة استقرارها، تخدم المشروع الأمريكي القاضي برفع درجة حرارة المنطقة إلى أقصى الحدود، استثماراً بما يجري في غزة.

يكتسب ما يجري من تعزيز للتفاهم مع الأطراف الإقليمية أهمية كبرى، فهو يأتي بمثابة ضربة موجعة للمشروع الأمريكي القائم على الفوضى الشاملة الهجينة التي تهدد الإقليم برمته. بالإضافة لذلك، إن مصر وتركيا قد نالهما الكثير من الخلافات المدفوعة بتأثيرات أمريكية وغربية، تتناقض مع مصالحهما في إطار علاقتهما الثنائية، ولذا فإن اللقاء وتعزيز العلاقات، وبناء التصورات والخطوات المشتركة، هو ضرورة حتى على المستوى الثنائي الخاص بالبلدين أيضاً، فآن الأوان لصفحة جديدة أن تُفتح، بعيداً عن أمريكا التي تعدّ أيامها الأخيرة في الإقليم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 22:39