أفريقيا... مُستقبلٌ أوسعُ من مَنجمٍ للخامات!
يتصاعد الاهتمام الدولي بدور الدول الأفريقية، يفسره البعض من زاوية مواردها الطبيعية الغنية، ويتوقفون عند هذه المسألة، وإن كان هذا صحيح جزئياً إلا أنّه لا يفسر الظاهرة بشكل كامل، إذ توجد عدة عوامل أخرى بالدرجة نفسها من الأهمية، تضع القارّة في قلب الصراع الحالي بين النظام القديم أحادي القطبية الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور القائد له، ممثلة لمصالح الدول الإمبريالية والاستعمارية الغربية، وبين النظام العالمي الجديد قيد التشكل.
وجهة النظر البسيطة والمختزلة ترى أن الصراع يتم بين عدّة دول، والمنتصر منها سيسيطر على العالم لعقود قادمة، فتصدر مجموعة هائلة من التقارير والابحاث التي تتنبأ بـ «استبدال استعمار باستعمار وناهب بناهب»، مشكلة هذا الطرح أنه لا يرى الصراع كعملية تاريخية تنطلق من الواقع، ولا يرى محاولة هذه المجتمعات إيجاد حلول لمشكلاتها المتراكمة. فالصراع هو الذي سيحدد شكل النظام العالمي الجديد، وطبيعة العلاقة بين الدول وبين الأنظمة والشعوب. وإذا كان التغيير فقط للطرابيش فلن يؤدي إلى حلول أو يُوجدُ حلاً مستداماً ومستقراً، بل سيحمل بداخله عناصر تفجيره القريب اللاحق.
الأرقام تقول الكثير
تُسجل أغلب دول أفريقيا معدلات نمو مرتفعة نسبياً مقارنة بدول العالم المتقدم (ليبيا 7.8%، النيجر 10.4%، السنغال 8.36% ، إثيوبيا 6.2%)، ووفق مؤشرات البنك الدولي، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو في أفريقيا جنوب الصحراء إلى 3.5% في عام 2024 وأن يواصل ارتفاعه ليحقق 3.9% في عام 2025، وفي شمال أفريقيا: من المتوقع أن يرتفع معدل النمو إلى 2.8% في عام 2024 وأن يواصل ارتفاعه ليصل إلى 4.2% في عام 2025، بينما من المتوقع أن ينخفض النمو إلى 3% في عام 2024 قبل أن يتراجع إلى 2.9% في عام 2025 في أوروبا وآسيا الوسطى.
وقد يصل عدد سكان أفريقيا إلى ما يقرب 2,5 مليار نسمة، أي أكثر من 25% من سكان العالم، علماً أن عدد سكان القارة في عام 1900، والمقدر بنحو 140 مليون نسمة، مثّل حينها 9% من مجموع سكان العالم، وتتوقع الأمم المتحدة أيضاً أن تساهم ثمانية بلدان فقط، من بينها خمسة بلدان أفريقية، بأكثر من نصف الزيادة السكانية في العالم على مدار العقود الثلاثة القادمة.
هذه المؤشرات تعزز فكرة أن أفريقيا تصبح قوة لها كلمتها على المستوى العالمي، ولبناء علاقات جيدة مع هذه الدول، يجب التعاطي معها باحترام وندية، وليس وفق منطق فرض الإملاءات التي اعتاد الغرب على ممارستها طيلة العقود الفائتة.
العلاقة مع الغرب ذكرى مريرة
زادت معدلات الفقر والهجرة في أفريقيا نتيجة تبعيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتفاقمت فيها النزاعات الداخلية والتوترات بين دولها، حيث يكاد ينتشر المتطرفون أو الانفصاليون في كل مكان، ولا توجد دولة إلّا وتعيش حالة حرب معلنة أو مستترة مع واحدة من دول الجوار. وكل ذلك كان السمة الأساسية لعقود من العلاقات مع الغرب، بينما تختلف علاقة الدول الأفريقية مع الدول الصاعدة، وخاصة روسيا والصين، فنجد هذه الدول لا تتدخل بسياساتها الداخلية، وتقدم القروض والدعم في مجال البنية التحتية، الضروري جداً لاستمرار عملية النمو والتنمية، وهنا نجد دور الصين وشركاتها الاقتصادية الرائدة مع جميع الدول الأفريقية كما نرى دور روسيا في تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب.
قد يستنتج أحدهم، أن روسيا والصين لم تغيرا شيئاً في الوصفة السابقة، فهي تنظر لأفريقيا «كسوق يتوسع للبضائع والأسلحة»، أي تفسير ما يجري من الجانب الاقتصادي فقط، ويتم إسقاط هدفهما الأكبر في كسر الهيمنة الغربية ودفن الأحادية القطبية عبر حرمان «الأعداء» من الميزات الأفريقية وبناء نموذج جديد ومختلف كلياً عن النموذج الغربي، فالدول الصاعدة تهدف إلى كسب حلفاء ودفعهم ليكونوا أقوى في المواجهة العالمية، لا أن تخلق أتباعاً لها.
ولنا في تصريحات القادة الأفارقة خير مثال عن هذا التمايز بين الغرب والقوى الصاعدة: ففي سياق ردّه على الانتقاد الوقح للسفير الألماني، لتسهيل دولة ناميبيا الحصول على التأشيرات للصينين، قال الرئيس السابق هاجي جينغوب: «نحن لسنا مُستعمَرين بعد الآن» و «لا يمكنكم إملاء شروطكم علينا». كما دعا الرئيس الزامبي هاكيندي هيشيليما إلى تعزيز الاستقلال الاقتصادي لبلاده، وتقليل الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية. فبعد فوزه في الانتخابات عام 2021، تعهد بإصلاح الاقتصاد الوطني عبر تعزيز الإنتاج المحلي وجذب استثمارات تحترم سيادة زامبيا، بالاضافة لذلك نشاهد التطور الحاصل في دول الساحل الأفريقية وتشكيل الكونفدرالية بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، التي تطرد بشكل حرفي المستعمر الفرنسي والأمريكي من أراضيها، بالإضافة لعشرات الشواهد الأخرى التي انتقد فيها القادة الأفارقة القروض المجحفة التي تقدمها المنظمات الغربية، وتعاملهم مع القارة خاصةً بعد جائحة كورونا.
لا يمكن اختزال القارة الأفريقية بما تحتويه من ثروات طبيعية، فإن شكل تطور هذه القارة، من شأنه أن يساهم في تشكيل العالم الجديد، ففي حين لم يكن للقارة حضورٌ يذكر في تقرير قواعد العالم، يملك هذا الفضاء اليوم فرصة ذهبية لأداء دورٍ جديد، وهذا تحديداً ما يفسّر جوهر علاقة أفريقيا مع القوى الصاعدة، فهناك تيار واضح يعبّر عن نفسه في الانقلابات تارةً، وفي احتجاجات شعبية تاراةً آخرى، يريد إنهاء العلاقة مع الغرب والبحث عن مستقبل جديد، وهنا ترى قوى، مثل: روسيا والصين، أن هذا البحث سيقود بالضرورة إلى كسر هيمنة الاستعمار الغربي، وسيحوّل القارة إلى ثقل جديد قادر على حرمان فلول العالم القديم من شن أي هجوم مضاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188