أقسى رد هو حرمان الولايات المتحدة والكيان من أهدافهما!
دخلنا اليوم في مستوى جديد من التصعيد مع اغتيال قياديين بارزين ضمن صفوف حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، على إثر ضربتين، واحدة في العاصمة اللبنانية بيروت، استشهد على إثرها فؤاد شكر، أحد أبرز القادة العسكريين في الحزب، وأخرى في العاصمة الإيرانية طهران، استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد اسماعيل هنية.
لم تستطع كلٌّ من «إسرائيل» أو الولايات المتحدة أن تخفيا هدفهما الأساسي في توتير المنطقة، أما الأكاذيب الأخرى فلم تكن قابلة للتصديق، خصوصاً مع تثبيت سلوك عدائي على الأرض، وهو بالضبط ما برهنته أحداث الأيام القليلة الماضية، فحالة عدم الاستقرار الحالية ليست عابرة، ولا يمكن احتواؤها بالطرق الدبلوماسية التقليدية، وهي نتيجة مباشرة لحملة خبيثة لا تنفصل فيها «إسرائيل» عن الولايات المتحدة.
إطار واحد لأحداث متنوعة
التفاصيل الكثيرة التي رافقت الاغتيالات هَدفت في جزءٍ كبيرٍ منها لتشتيت الانتباه عن الرابط الخفي بينها وبين خطوات تصعيدية مشابهة، ففيما يخص اغتيال فؤاد شكر المعروف بالحاج محسن، يوم الثلاثاء 30 تموز المنصرم، حاول الكيان ربط الاغتيال بحادثة مجدل شمس، التي يتحمل مسؤوليتها جيش الاحتلال، وظهر منذ اللحظات الأولى أن الحادث المفجع في القرية السورية المحتلة، أو الجريمة الصهيونية المدبرة، كان المطلوب منه أن يخلق شرخاً داخل لبنان وفي سورية والمنطقة، يُصوّر فيه حزب الله، وتحديداً لحظة اشتباكه مع عدوّنا الأساسي بوصفه المسؤول عن قتل الأبرياء في مجدل شمس، ويُقدّم اغتيال الحاج محسن كردٍّ على تلك الحادثة! ثم اتضح في 31 بعد يوم من ضربة بيروت أن الطموح الأمريكي- الصهيوني في تفجير المنطقة أكبر مما بدا للوهلة الأولى، فكان اغتيال هنيّة الذي ذهب مع وفدٍ من الحركة لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان.
حاولت واشنطن مجدداً ادعاء جهلها باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، وأكدت في وقتٍ سابق علمها بخطة الكيان لاستهداف شكر في بيروت، لكن هذه الادعاءات تلاشت مع بدء الاستعدادات العسكرية الأمريكية لحماية «إسرائيل» من رد إيراني مرتقب، وسارعت للتأكيد على لسان رأس الدولة ووزير الدفاع وعدد كبير من المسؤولين عزمها للتعامل مع ارتدادات الاغتيال، وأعلنت نقل قوات إضافية وقطع بحرية وبرمائية إلى المنطقة.
ما الهدف من كل ذلك؟
إن اغتيال اثنين من أبرز قادة المقاومة ليس حدثاً عادياً، ولا يمكن الإقدام عليه بقرار «إسرائيلي»، لأن تداعيات عمل كهذا ستكون كبيرة حتماً، وأكبر من قدرة جيش الاحتلال على التعامل معها منفرداً، فمن أقدم على خطوة كهذه يعلم مسبقاً أن الخطوة التالية هي الاستعداد لردٍّ، ونظراً لحجم الضربة وكونها استهدفت قيمة سياسية وعسكرية كبيرة، سيكون حزب الله وإيران في موقفٍ دقيقٍ جداً، فمن جهة يجب إجهاض المحاولة الأمريكية للتصعيد مع تنفيذ رد ملائم، ولفهم هذه الجزئية بالتحديد يجب أن ننظر إلى جملة من المسائل: في لبنان ستكون لمواجهة واسعة أو حرب شاملة تبعات داخلية، سيستخدمها خصوم حزب الله ويزيدون من الضغط عليه، خصوصاً أن ذلك ستكون له آثار اقتصادية ثقيلة على لبنان، أما الوضع في طهران لن يكون سهلاً أيضاً، وخصوصاً أن الاغتيال نفّذَ على الأراضي الإيرانية، وعلى هامش مناسبة رسمية، ما يعني انتهاكاً صارخاً لسيادتها، ما يفرض عليها الرد، لكن ذلك يعيدنا إلى أن أي رد يعني مواجهة تستخدم فيها أجواء دول أخرى وتحاول الولايات المتحدة الاستثمار في تفاصيل كهذه لتوتير الأجواء بين إيران وجيرانها، وخصوصاَ أن مواجهات واسعة لفترة طويلة أو حتى متوسطة ستكون لها تبعات اقتصادية أيضاً على المنطقة.
وحماس نفسها مع خسارة رئيس مكتبها السياسي ستكون أمام قرارات مهمة، فالحركة تخوض معركة مباشرة مع الكيان، واستشهاد مقاتليها أو قادتها مسألة مشرفة لن يكون لها تأثير كبير في قدرتها على إدارة المعركة، ولكن اسماعيل هنية كان ممثل الحركة في المفاوضات، واغتياله هو رسالة واضحة حول مدى جدية الولايات المتحدة والكيان، وعلى هذا الأساس ستضطر حماس اليوم، وبالتشاور مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، لوضع استراتيجية جديدة، أو ربما تعليق المفاوضات، وقد يكون للاغتيال أهداف أخرى تأمل «اسرائيل» من خلالها تأخير المصالحة الفلسطينية التي خطت خطوة جديدة في بكين منذ أيام، وهو ما ستتضح صحته قريباً.
الملامح الأولية
توقع شكل تطور الأحداث لن يكون مسألة سهلة، لكن الأطراف الثلاثة المعنية بشكل مباشر، إيران وحزب الله وحركة حماس، توعّدوا «إسرائيل» بردٍ قاسٍ، فطهران أعلنت الحداد 3 أيام، وقال المرشد الأعلى: «اغتال الكيان الصهيوني المجرم والإرهابي ضيفنا العزيز في بيتنا، وأفجع قلوبنا، لكنه أعدّ لنفسه أيضاً عقاباً قاسياً» ونقلت وكالات الأنباء، أن الخامنئي أمر في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «بالاستعداد لشن هجوم مباشر على الكيان يتضمن ضربات صاروخية وطائرات مسيرة تستهدف حيفا وتل أبيب». وقال القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري كني: إن: «إيران ستستخدم حقها المشروع والأصيل في معاقبة الصهاينة المجرمين بشكل حاسم وفعال»، وذلك في محادثات أجراها مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في مساعٍ تقوم بها القاهرة بهدف «احتواء التصعيد القائم وتخفيف حدة التوتر الذي يشهده الإقليم» بحسب ما قالته الخارجية المصرية، ورغم أن طهران عازمة على رد موجع، إلا أنّها تجري في الوقت نفسه اتصالات كثيفة في المنطقة بهدف تحضير الأجواء، وتقليل احتمالات الاضطرابات في علاقاتها الدبلوماسية مع الجيران. أما حزب الله فقدّم من جانبه تفاصيل أوضح في موقفه، إذ عبّر أمينه العام حسن نصر الله أن المقاومة اللبنانية كانت تقوم بعملية إسناد لغزة، ولكن اغتيال الحاج محسن يفرض رداً يتجاوز حدود الإسناد، وأشار أيضاً إلى أن الحزب «يبحث عن ردٍ حقيقيٍ ومدروس جداً وعن فرصٍ حقيقيةٍ».
ما جرى هو بلا شك تصعيد خطير، ولكنه متوقع، والهدف البعيد منه يبدو واضحاً وتحدياً للأطراف المعنية، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تمر أحداثٌ كهذه دون رد، الذي يفترض منه تحقيق هدفين أساسيين، الأول: ضرب الكيان الصهيوني ضربة موجعة تعيد تثبيت الواقع الجديد، وتظهر مجدداً ميزان القوى العسكري في المنطقة، والهدف الثاني: سيكون تأريض المحاولة الأمريكية في رفع مستويات التوتير مع ما يعنيه ذلك من مواجهات خطيرة في الإقليم. ردٌ كهذا سيحرم العقل المدبر الأمريكي والكيان الصهيوني من المتنفس الذين يسعون إليه، ويعيدهم مجدداً إلى دائرة الضغط يتلقون الضربات العسكرية والسياسية حتى يعلنون خضوعهم للواقع الجديد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186