قضايا الشرق ... عن صراع البربرية والحضارة
ظهر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو من على منبر الكونغرس الأمريكي مرّة جديدة، وبينما انشغلت مجموعة من وسائل الإعلام في تفنيد أكاذيبٍ قالها، غابت أفكارٌ أخرى، تلك التي توضح طبيعة العلاقة الأمريكية مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى بعض الأوهام المكرّرة التي رأى نتنياهو الفرصة سانحة لإعادة عرضها.
يعتمد الخطاب الرسمي الصهيوني الهجوم على إيران، وعلى تصويرها كجسم هجين في المنطقة، ويتجاهل حقيقة أنّها جزء أصيل من الشرق الأوسط، ويبدو الهدف من التركيز الشديد على بقاء إيران في محور الحديث يرتبط أوّلاً في التغطية على المشروع الصهيوني الدخيل والطارئ فعلاً، المشروع الذي رأى فيه الصهيوني المتعجرف «الدولة الديموقراطية الوحيدة في قلب الشرق الأوسط».
وأكد نتنياهو على ترابط مصالح «إسرائيل» والولايات المتحدة وقال صراحة: إن الكيان يلعب دوراً أساسياً في حماية الأخيرة، مؤكداً أنهم يخوضون «نفس المعركة ضد نفس العدو» وبالتالي، سيكون «انتصار [إسرائيل] انتصاراً للولايات المتحدة».
قد تبدو هذه الكلمات مألوفة ومكررة، لكنها تعبّر عن حجم القلق، فإن كان ما قاله نتنياهو صحيح، فإن خسارة «إسرائيل» هي خسارة للولايات المتحدة أيضاً، واليوم لم يستطع جيش الاحتلال تحقيق أي هدف من أهدافه بعد أكثر 9 شهورٍ من الحرب، ليكون بذلك أصبح خارج مظلة الحروب القصيرة الخاطفة التي اعتمد عليها منذ نشأته، وإلى جانب خسائره العسكرية والبشرية الفادحة تنهار أيضاً بشكلٍ واضح قدرته على الردع، ليكون قد دخل بذلك مرحلة فريدة في تاريخه.
كل ذلك دفع نتنياهو للتحريض مجدداً لا على غزّة والفلسطينيين فحسب، بل على لبنان واليمن، والأهم من ذلك: إيران، وعاد إلى أسطوانة «ناتو شرق أوسطي» تقوده الولايات المتحدة و«إسرائيل» وبمشاركة دول أخرى في المنطقة لمواجهة إيران. أفكارٌ كهذه لم تعد تنتمي إلى الواقع السياسي في الشرق الأوسط، فالخارطة تتغير بشكل متسارع منذ استعادة العلاقات الإيرانية السعودية، ولم يعد بالإمكان حتى تصور بناء حلف كهذا، خصوصاً، أن حلف الناتو الأصيل يواجه تحديات وجودية وقد ينتهي هو الآخر!
نتنياهو قال أيضاً: إن ما يجري في الشرق الأوسط ليس «صراع حضارات» بل «صراعٌ بين البربرية والحضارة»، وهو كذلك فعلاً، فالكيان الصهيوني والولايات المتحدة بسياستهم ومحاولة منع قيام الدولة الفلسطينية «يجاهدون» في إعاقة التاريخ، وبالتالي، إعاقة الحضارة، والبرابرة هم بالتحديد أولئك الذين ظنوا يوماً أن إعادة التاريخ إلى الوراء ممكنة، قبل أن يغطي رفاتهم أديم الأرض، وتسير فوقها عجلات التاريخ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1185