أزمة حوض النيل إلى الواجهة مجدداً
كنان دويعر كنان دويعر

أزمة حوض النيل إلى الواجهة مجدداً

في خطوة وُصفت بالمفاجئة لكل من مصر والسودان، صادقت دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل المعروفة باسم اتفاقية عنتيبي، الخاصة بإعادة النظر في الحصص المائية لدول حوض النيل. أثارت هذه الخطوة مجموعة من التساؤلات حول التوقيت والأهداف الكامنة وراءها.

لمحة تاريخية عن اتفاقية عنتيبي

تستند دول حوض النيل في توزيع حصصها المائية إلى اتفاقية عام 1929، التي تعتبرها بعض الدول اتفاقية استعمارية، كون بريطانيا مثلت مصر في الاتفاقية وضمنت لها مكاسب كبيرة. تحصل مصر بموجب الاتفاقية على 55.5 مليار متر مكعب، فيما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل. وتستفيد مصر من حقها في منع أي دولة من دول حوض النيل من إقامة مشاريع مائية أو زراعية قد ترى فيها تهديداً لأمنها المائي. تم تطوير الاتفاقية عدة مرات لاحقاً، ولكن ضمن الإطار الأساسي نفسه لضمان حقوق دول المصب (مصر والسودان)، الأمر الذي دفع دول المنبع إلى المطالبة بحقوقها المائية، ليصطدموا بقرار محكمة العدل الدولية، الذي يعتبر أن الاتفاقيات المائية مثل اتفاقيات الحدود لا يمكن تعديلها.
في عام 2010، قررت ست من دول منابع النهر، هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، التوقيع في مدينة «عنتيبي» الأوغندية على معاهدة جديدة لاقتسام موارد النيل، تنهي بموجبها الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقاً لاتفاقيتي 1929 و1959. منحت القاهرة والخرطوم مهلة عام واحد للانضمام إلى المعاهدة، لكنهما رفضتا أي تعديل على الاتفاقيات السابقة، ومع تصديق جنوب السودان على الاتفاقية، يعني قرب دخولها حيز التنفيذ، إذ يتطلب ذلك تصديق ثلثي الدول الأعضاء.

قروض الإمارات هي السر

أثار تصديق جنوب السودان تساؤلات حول سبب تغيير موقفها، حيث ترتبط هذه الدولة بعلاقات جيدة مع مصر، التي ترسل مساعدات وتقدم تدريباً للجيش، وغير ذلك من أشكال التعاون. ولكن الإمارات قدّمت قرضاً ضخماً جداً، يبلغ 13 مليار دولار حسب عدة مصادر، لجنوب السودان مقابل ضمانة السيطرة على صادرات النفط، وهو ما شكل نقطة انعطاف في موقف جنوب السودان. وقد صرح وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام، موضحاً أن هناك دوراً واضحاً لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإثيوبيا وأطراف إقليمية ودولية في دفع جنوب السودان لهذه الخطوة. كما تبين أن الشركة الإماراتية التي قدمت القرض لجنوب السودان عقدت صفقة ضخمة مع جيش الاحتلال، لضمان سلامة دولة الإمارات من الهجمات السيبرانية، مما يسمح لنا بربط الملفات ببعضها، وفهم دور الكيان ورغبته في الضغط على مصر على أمل قبول وتمرير صفقة من العيار الثقيل في المرحلة القادمة.

التحديات أمام مصر

أزمة نهر النيل وحصة مصر المائية هي تهديد حقيقي للدولة والشعب المصري، وعلى المصريين التعامل معه بجدية. فمع أن رغبة دول المنبع في تحسين أمنها المائي مفهومة، إلا أن أغلب دول حوض النيل هي دول مطيرة ولا تعاني من مشاكل في تأمين المياه الضرورية للحياة. من جهة أخرى، يتضح الاستثمار والابتزاز السياسي في الملفات المتشابكة في المنطقة. فقد ارتبط قرض الإمارات لجنوب السودان بضمانة الحصول على النفط الذي يشكل 90% من ايرادات جنوب السودان، والذي يصدر من ميناء السودان على البحر الأحمر، وهذا الخط متوقف عن العمل نتيجة الحرب الجارية هناك. قدمت الإمارات قرضاً لإثيوبيا لتطوير خط بري لنقل نفط جنوب السودان وتصديره من ميناء جيبوتي أو إريتريا، خاصة بعد انتزاع إثيوبيا حق الوصول للسواحل من خلال ممر في إريتريا، أو عن طريق كينيا، حيث وقعت الإمارات أيضاً اتفاقية مع جنوب السودان لتمويل بناء خط أنابيب جديد إلى ميناء لامو في كينيا.
إن تضييق الحصار أكثر على مصر المحاطة بملفات ساخنة خارجياً، والتي تشهد أزمة اقتصادية وتدهوراً في وضع معيشة أغلبية المواطنين داخلياً، يضعها أمام تحدٍ جديد. لا يمكن الخروج منه دون تغييرات جوهرية في طريقة إدارة البلاد، ودفع أصحاب القرار الحاليين أو المستقبليين لاتخاذ قرارات جريئة ومبدئية في جميع مفردات علاقتها مع الغرب والكيان الصهيوني، والتفكير بجدوى اتفاقية كامب ديفيد التي دخلت مرحلة جديدة مع تواجد قوات الاحتلال في معبر فيلادلفيا. يبدو أن التدخل الأمريكي والإسرائيلي من خلال دفع وكلائهم وأنظمة التطبيع الإبراهيمي لتكون رأس حربة الاختراقات، فحساسية وممانعة البنى السياسية ومؤسسات جهاز الدولة يمكن أن تكون أقل اتجاه بلد عربي مثل الإمارات!

مشكلة مياه النيل وحصص دول المنبع والمصب مسألة شائكة بكل تأكيد، وتبدو لهذه الدول كمسألة أساسية ترتبط بمسائل الأمن الوطني، لكن عدم حل هذا الملف يتحول تدريجياً إلى باب للابتزاز والاستثمار من قبل قوى خارجية مشبوهة، تدفع الأطراف لمواقف متطرفة مما يرفع سخونة الإقليم الاستراتيجي، ما بات يفرض على بلد مثل مصر البحث عن حلول جذرية للمشكلة، بعيداً عن أصحاب المصلحة بالتوتير، ما يمكن أن يقطع الطريق على كل المشاريع المشبوهة، ويضع المسألة على سكّة الحل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1184