لصدّ الهجوم على مصر… المطلوب حلولٌ أشمل!
كنان دويعر كنان دويعر

لصدّ الهجوم على مصر… المطلوب حلولٌ أشمل!

أدت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي اليمين الدستورية يوم 3 تموز الجاري، خطوة اعتبرها البعض حلاً لقائمة طويلة من مشكلات البلاد، بينما رأى فيها آخرون إجراءً شكلياً لا معنى له، الآن النتائج هي التي تحكم في نهاية المطاف، فمن المفيد توضيح بعضٍ من التحديات التي تواجه مصر.

تعززت المخاوف الأساسية بعد تعيين الحكومة، فرغم أن تغيرات كثيرة شملت وزارات، مثل: الدفاع والخارجية، ولكن لا يمكننا القول: إن كانت تغييرات من هذا النوع تعني بالضرورة تغيير سياسيات في هذه القضايا الحساسة، إلا أن بعض الأسماء التي جرى تثبيتها في الدوائر الاقتصادية والمالية، أعطت انطباعاً بأن الميل باتجاه الغرب ومؤسساته المالية قد يظل مهيمناً في الفترة القادمة، بل ربما يتسارع أكثر.
عن ظرف الداخلي

مصر دولة إقليمية مهمة إفريقياً وعربياً، وتملك الإمكانات لأداء دور مؤثر في المنطقة، على الرغم من ذلك، يشهد هذا البلد العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، منها: جزء عام ومشترك بين جميع الدول، كالتضخم والديون، وضعف معدلات النمو، ووجود بؤر توتر قريبة الخ.

على الرغم من عمومية هذه المشاكل فإن تأثيرها يختلف من مكان إلى آخر، ويتأثر بعدة عوامل أهمها: درجة الارتباط مع الاقتصاد العالمي، وبالنسبة للدول التي لا تُصنف ضمن المراكز الإمبريالية، يتحول هذا الارتباط إلى تبعية، وضعف الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي.

تدفع مصر وعموم الدول ضريبة هذا الارتباط/ التبعية على عدة مستويات، وخاصة بما يهدد أمنها القومي، فالدولة محاطة بمجموعة ضخمة من الملفات الخطيرة، ابتداء بالقضية الفلسطينية والتصعيد الجاري في البحر الأحمر، والملف الليبي والمعارك الجارية في السودان إلى ملف نهر النيل وسد النهضة مع إثيوبيا. بالإضافة إلى مشاكل داخلية عميقة جداً، كأزمة الكهرباء التي تتفاقم مؤخراً، والحديث عن رفع الدعم عن مجموعة من السلع، والمضي قدماً في سياسيات تقشف مجحفة بحق عموم الناس، وبيع وخصخصة جزء من مؤسسات الدولة، وارتفاع نسب الفقر والتضخم والعاطلين عن العمل، وانهيار سعر صرف الجنيه.

الملفت في الملف المصري، هو أن أصحاب القرار يعطون إيحاءً وأمثلة ملموسة أنهم يمضون في جميع الاتجاهات معاً، فنراهم يتعاونون مع دول الخليج لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع رأس الحكمة وغيرها من المشاريع ذات الطابع الخدمي الريعي غير المنتج، ومن جهة أخرى البدء بمشروع محطة الضبعة النووية مع روسيا التي ستؤمن 10% من حاجات البلاد من الكهرباء، المشروع قيد الإنجاز، وسيضع المحطة الأولى من أصل أربع محطات في الخدمة عام 2028، كذلك عُقد مؤخراً مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي حيث تم توقيع 35 اتفاقية بقيمة 75 مليار دولار، على الرغم من أنه نسخة مكررة للمؤتمر الذي تم عقده بعنوان مصر المستقبل في شرم الشيخ مع الاتحاد الأوروبي، والذي شهد تعهدات بضخ 175 مليار دولار، هذا الرقم الذي بقي في معظمه حبراً على ورق، بالإضافة الى الكثير من الاتفاقيات الثنائية والتفاهمات التي لم تقدم حلولاً حقيقية، كما هو واضح.

هذه المسارات، وإن بدت بأنها متساوية من حيث الأهمية والمنفعة للاقتصاد، إلا أن جزءاً منها هو في الحقيقة فقاعات اعلامية لا أكثر ولا أقل، والهدف منها استمرار ارتباط مصر بالأجندة المفروضة عليها. فمن خلال هذه المشاريع الغربية الوهمية يتجدد ولاء شرائح ضمن المجتمع للمعسكر الغربي من خلال بعض الرشاوي و«الكومسيونات».

مفترق طرق

مصر أمام مفترق طرق حقيقي وخطير، فتعدد الملفات المحيطة بها وحساسيتها وحساسية تركيبة جهاز الدولة بين الجناح العسكري، والجناح المدني، تصبح الأمور مقلقةً أكثر كلما اقتربت مصر من لحظات أكثر مفصلية في تاريخها، كذلك لا يمكن إغفال دور كامب ديفيد بكل المنظومة، وحجم الاختراق في الجهاز المدني والعسكري، رغم أنه من الصعب جداً تحديد حجم هذه الاختراقات، ولكنها موجودة وتفعل فعلها، وتحاول التأثير بشكل جدي على الدور المصري، ومعيقة لتطوره بالاتجاه الذي يخدم مصلحة البلاد.
ما الذي يمنع دولة مثل مصر بوجود نهر النيل من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، حيث تشتري نصف حاجياتها من السوق العالمية والأمريكية بشكل خاص؟ ما الذي يمنعها من تطوير علاقات وممارسة دور دبلوماسي فعال ونشط لإيجاد حلول لملف سد النهضة؟ حيث كانت هناك اقتراحات بالتوجه نحو الصين كونها أحد ممولين السد، وإيجاد صيغة للتفاهم ثلاثية أو أكثر، بعيداً عن لغة التهديد والوعيد التي كان واضحا أنها لن تصل إلى نتيجة.

تدرك مصر أنها في موقع التهديد والاستهداف، ولكنها تحاول علاج هذا الملف على أساس أنه أمني/عسكري، ورغم أن هذا جانب مهم من المسألة، إلا أنه لن يكون كافياً إذا تم إهمال عوامل التفجير الأخرى، وتحديداً تلك المرتبطة بمعيشة المصريين، فإن أي مشروع لتدعيم موقف مصر أمام كل هذه التهديدات، إنما يرتبط بضرورة تفكيك كل صواعق التفجير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1182
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2024 18:37