«إسرائيل»… تصعيدٌ جديد أم تمهيد للتراجع؟!
يبدو للوهلة الأولى كما لو أن الوضع الميداني في قطاع غزّة أو على خطوط الاشتباك مع حزب الله ثابتٌ لا يتغير، إلا أن جملة من التفاعلات تتسارع لتفرض نفسها على المشهد، وتثبّت جملة جديدة من الخسائر السياسية التي لحقت بالكيان والولايات المتحدة الأمريكية، الظرف حساس وخطر بلا شك، لكن قراءة متأنية لما يجري ترسم صورة مختلفة جذرياً.
يكاد الحديث لا يتوقف عن احتمال نشوب مواجهة أوسع بين جيش الاحتلال وحزب الله في جنوب لبنان، بل إن العديد من المنابر الإعلامية بدأت تقول: إن العد التنازلي بدأ فعلاً، لكن خلف هذا الضجيج الإعلامي هناك صرخات صهيونية مذعورة.
كيف يقدرون الموقف الحالي؟
نشر «معهد دراسات الأمن القومي [الإسرائيلي]» تقريراً موسّعاً قدّم من خلاله صورة شاملة للمشهد الحالي، وعبّر بدقة عن الأزمة التي تعيشها «إسرائيل»، إذ شرح أن خطة «السيوف الحديدية» قامت منذ البداية على مبدأ يتناقض مع العقيدة الأمنية لـ «إسرائيل» كون الحرب عُدّت لتكون طويلة الأمد، وأن خطة كهذه لا تأخذ بعين الاعتبار بديهيات أساسية، مثل: أن «إسرائيل» ليست «قوة عالمية ذات جيش مهني نظامي هائل الحجم» بحسب ما جاء في التقرير، بل هي «دولة» صغيرة تعتمد على قوات احتياط يشكلون في الوقت نفسه أحد أهم مكونات الاقتصاد، الذي سيتأثر بشكلٍ كارثي في حال استدعاء هذه القوات لفترة طويلة. في الوقت نفسه أشار معهد الدراسات إلى اعتماد الكيان بشكلٍ كلّي على سلاسل توريد عالمية في دعم الاقتصاد والمجهود الحربي، وأن أي اضطراب فيها سيكون ذا تأثير كبير على جوانب استراتيجية.
قضايا أخرى كانت حاضرة كأزمة الحكم الواضحة، والعزلة الدولية المتزايدة، قدّمت بمجموعها للموضوع الأساسي، وهو «إمكانية الدخول في حرب جديدة مع حزب الله» التي ظهرت بوصفها خطوة غير محسوبة النتائج، ولا يمكن تحقيقها ضمن الظرف الحالي، وخصوصاً أن حرب كهذه لا يمكن البدء بها ما لم تكن هناك تغطية أمريكية، وهي موضوع مستبعد.
حقيقة الموقف الأمريكي
في الواقع، يظهر الموقف الأمريكي واضحاً، إذ نبّه رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال تشارلز براون إلى أن «حزب الله يمتلك قدرات شاملة أكبر من حماس» وحذّر أن إيران ستقدم دعماً واسعاً للمقاومة اللبنانية قد «يثير صراعاً أكبر في المنطقة ما يمكن أن يهدد وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط» ووصل الجنرال للاعتراف بأن «قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن [إسرائيل] من هجمات حزب الله قد تكون محدودة، أكثر من قدرتها على المساعدة التي قدمتها في أثناء هجوم إيران على [إسرائيل] في نيسان الماضي» موضّحاً، أن قصر المدى بين لبنان و«إسرائيل» سيزيد من صعوبة الموقف.
ينسجم هذا الموقف مع التقديرات التي أثبتتها الأشهر الماضية، القائلة بأن الولايات المتحدة تعمل على ضبط حدود الصراع، أملاً في أن يؤدي إلى انفجارات في المنطقة، وهو ما يختلف جذرياً عن تورّط واشنطن بصراع كبير يكبّل قدرتها على الحركة إلى حدٍ كبير على الساحة الدولية في لحظة حساسة ومصيرية.
هل كشف نتنياهو كلمة السر؟
الأمثلة على حجم التهديد الذي يمكن أن يلحق بالكيان في حال أقدم على مغامرة بهذا الحجم تبدو جليةً، حتى وإن انخرطت الولايات المتحدة بشكل مباشر في تأمين مظلة دفاعية فلن يغير ذلك الكثير، ما يجعل للأصوات المرتفعة داخل «إسرائيل» معنىً مختلفاً، فهناك قناعة أن «الإذلال من طرف حزب الله بات أكبر من أن يحتمل» إلا أنّ وضع «إسرائيل» والظرف الدولي الحالي لن يساعد في فتح هذه الجبهة، ويعلم قادة الكيان يقيناً، أن تخفيف حدة المواجهات في الشمال مرهون بتقديم تنازلات كبرى في غزّة تصل حد القبول بشروط المقاومة الفلسطينية لوقف الحرب، لكن إعلان من هذا النوع سيكون له أثر سياسي كارثي في «إسرائيل»، لذلك يجري إما لتراجع أو لمناورة أخيرة، فبحسب تصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال فيها: إن «المعارك في رفح على وشك الانتهاء» لكنّه وضّح في الوقت نفسه، أن انتهاء المعارك لا يعني نهاية الحرب! بل «المرحلة العنيفة منها» وسيتم على إثر ذلك إرسال قوات إضافية إلى الشمال، ولكن «لأغراض دفاعية بشكل رئيسي» وهو ما يضعنا أمام احتمالات جديدة، مثل: أن يحتفظ جيش الاحتلال ببعض النقاط داخل غزّة دون اتفاق لوقف إطلاق النار، ويسعى إلى ضبط الوضع في الشمال لا تصعيده، مع زيادة في حجم التواجد العسكري هناك، ما يمكن أن يظهر كإنجاز ملموس على الأرض، لكن ذلك يظل مرهوناً بقدرة الاحتلال على الاحتفاظ بتلك النقاط القليلة في القطاع، فالمقاومة الفلسطينية هناك عازمة على إدامة الاشتباك حتى الوصول إلى اتفاقٍ مرضٍ، وهناك عقبة ثانية أمام هذه الخطة، ترتبط بأن المقاومة اللبنانية تحاول قطع الطريق أمام أي تفاهم ثنائي لتخفيف الضغط في الشمال، ما يجعل الكيان مضطراً للبحث عن الطريق الأمثل للقبول بوقف إطلاق النار وقبول الشروط الفلسطينية الجوهرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1181