قضايا الشرق ... الكُتلة الحرجة!

قضايا الشرق ... الكُتلة الحرجة!

الظواهر السياسية كغيرها من الظواهر، تشهد انقلاباتٍ نوعية، تشبه لحظة انقلاب وتحوّل الماء إلى بخار عند درجة حرارة محددة! لكن المشكلة تبقى في كيفية قياس ارتفاع «درجة حرارة» الظواهر المعقدة، فإن كان وضع ميزان حرارة داخل الماء كافياً لتحديد مستوى التراكم الحالي في تلك اللحظة، فلا بد من وجود «ميزان» لقياس التراكمات في عملية التحولات السياسية، وتحديد «كتلتها الحرجة».

المسألة كما تبدو أشد تعقيداً، كوننا نناقش ظاهرة أكثر تركيباً بعددٍ كبير جداً من المتغيرات، ومع ذلك تظل قضية كشف المعادلة مسألة راهنة، وملحّة.

فإذا ما أخذنا مثالاً بسيطاً على ذلك، يكون التراجع الأمريكي عملية تراكمية تصل في نهاية المطاف إلى «كتلة حرجة» ويبدأ حينها التحول، الذي من المفترض أن ينهي الأحادية القطبية، وينقلنا إلى مستوى جديد تتوازن فيه قوى أقطاب مختلفة.

ومن هنا يُنظر لأحداثٍ في بقاعٍ مختلفةٍ من الأرض على أنّها تراكمٌ في «كميّة التراجع الأمريكي»، لا يجب تضخيمها بالطبع، ولكن وفي الوقت نفسه لا يصح إهمالها! وكل حدث من هذه الأحداث يمكن النظر إليه من زاويتين، الأولى: بوصفه دليلاً جديداً على عملية التراجع الجارية، والثانية: بوصفه مؤشراً على المستوى الذي بلغه هذا التراكم.

ففي النيجر كانت نتيجة المفاوضات بين الحكومة الانقلابية الجديدة والولايات المتحدة حدثاً يمكن دراسته، فالمفاوضات التي حاولت واشنطن من خلالها ضمان بقاء قواتها ضمن منطقة استراتيجية في إفريقيا فشلت وانتهت بطرد القوات الأمريكية وخسارة واحدة من أهم قواعدها الجوية خارج الولايات المتحدة، الحدث يبرهن بحد ذاته أن التراجع مستمر، وتجري ترجمته على أرض الواقع، ولكنّه من جهة ثانية يتحوّل إلى توثيق لوزن الولايات المتحدة في لحظة محددة ومكان محدد.

قد تبدو الأمثلة من مناطق مختلفة متباينة أحياناً، لكن استخلاص المتوسط منها جمعياً من شأنه أن يقدّم تقديراً صحيحاً لاتجاه المنحنى العام، ويعطي على هذا الأساس قدرة كبيرة على التنبؤ بمآلات الأحداث المشابهة.

تُحوّل نظرة كهذه مقولة «التراجع الأمريكي» إلى إطار حيوي متحرك، وتنهي النظر إليه ككتلة صماء، فهو عملية جارية ومستمرة، ويمكن من خلال دراستها الانتقال من مراقبتها إلى التأثير الواعي فيها، عبر زيادة التراكمات الكمية، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من زيادة في التسارع، هذه المسألة قائمة بالفعل، بل وتجري ضمن جملة من العمليات المدروسة والمنسّقة، فأقطاب العالم الجديد الأساسية لا تراقب فحسب، بل تنخرط في إحراز تقدّم أين ما أمكن ذلك، ومهما بدا صغيراً وغير مؤثر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180
آخر تعديل على الإثنين, 24 حزيران/يونيو 2024 10:38