بوتين في كوريا وفيتنام.. وهنا أيضاً توجد جبهة يا أمريكا!
أحمد علي أحمد علي

بوتين في كوريا وفيتنام.. وهنا أيضاً توجد جبهة يا أمريكا!

بينما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية- مضطرةً- التركيز على جبهة واحدة في صراعها مع القوى المقابلة والصاعدة في الميزان الدولي؛ لا يبدو أن روسيا والصين تناوران من موقع ومعيار الخصوم الدوليين نفسه في الغرب عموماً. فالمراقب للسلوك الروسي في إدارة الصراع العالمي يلاحظ أنه ينطوي على تذكير واشنطن على الدوام بأن المعركة أكبر من جبهة واحدة، وأنّ هنالك جبهات متعدّدة ينبغي العمل عليها... لهذا هدف بالتأكيد، ما هو؟

بوتين في كوريا وفيتنام

خلال الشهر الجاري، وبعد عودته من الصين، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارتين بارزتين إلى كل من كوريا الشمالية وفيتنام. وقبل الدخول في تفاصيل الزيارتين وأهدافهما المحتملة وردود الأفعال عليهما، ينبغي تثبيت فكرة عامة أساسّية؛ هاتان الزيارتان تأتيان بسياق تحولات استراتيجية في السياسة الخارجية الروسية، إذ أعلنت موسكو عزّمها تسليح أطراف ثانية ترى في الدول الغربية عدوّاً لها، وتتسق الزيارتان مع مساعٍ روسيةٍ لتثبيت أقدامها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في ظلّ التغيرات الجيوسياسية العالمية الجديدة.
وفي الحقيقة، كان من اللافت طرح الرئيس الروسي بوتين لموضوعة الدفاع المشترك عقب زيارته لكوريا الشمالية، وذلك بسياق الحديث عن تعاون استراتيجي شامل. ورغم أن الاتفاق بين البلدين لم ينشر، إلّا أن هذا الحديث يحمل أهميّة عالية في توازنات دوليّة كالتي نعيشها اليوم. وفي فيتنام، كان الحديث شبيهاً إلى حدّ ما. في الزيارتين تحدثت الأطراف عن تعاون بمجالات مهمّة، مثل: الطاقة، والمجالات العسكرية، والصناعة والزراعة، وصولاً إلى تقنيات الفضاء.

التحوّل نحو الشرق

ما تقوم به روسيا حالياً في استراتيجيتها الجديدة على مستوى العالم، هو التوجه الفعلي نحو الشرق، قولاً وفعلاً، وهاتان الزيارتان لكوريا الشمالية وفيتنام بعد العودة من الصين هما مؤشر واضح على هذا. تُظهر روسيا تحولاً استراتيجياً ملموساً نحو الشرق، مركّزة على إعادة إحياء روابطها التاريخية، وتعزيز شراكات جديدة في آسيا والمحيط الهادئ. وهذه الاستراتيجية ليست مجرد رد فعل على التحديّات الحالية مع الخصوم الغربيين، بل هي جزء من رؤية موسكو طويلة الأمد لتأمين مكانة متقدمة في النظام العالمي الجديد، وتأمين نفسها من مخاطر المواجهة مع الغرب.
وتستند روسيا في تعزيز علاقاتها مع دول الشرق، على الروابط السابقة والتاريخ المشترك الذي أرسته الحقبة السوفييتية، بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية والعسكرية والصناعية التي تقدمها هذه الشراكات. وبطبيعة الحال، ستتيح هذه التحولات لموسكو فضاءً واسعاً للحركة على الساحة الدولية، وستفتح أفقاً جديداً للتعاون طويل الأمد.

الحضور العسكري في آسيا

في سياق التحوّلات الاستراتيجية أيضاً، هنالك توجّه روسي واضح نحو تعزيز التعاون العسكري مع دول آسيا. هذا التوجّه يمثل جزءاً أساسياً من نهج موسكو لبناء نفوذها في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى، خلق توازن جيوسياسي يمكن أن يربك الاستراتيجيات الأمريكية العالمية، دون الحاجة إلى استثمار مفرط من قبل روسيا في المواجهة المباشرة. التعاون العسكري يلعب دوراً محورياً في تحقيق هذه الأهداف، ويُمكّن روسيا من تعزيز حضورها العسكري، والضغط على منافسيها بشكل غير مباشر. ويتم هذا التعاون من خلال شراكات ثنائية متعدّدة تشمل التدريب المشترك، وصفقات الأسلحة، والتموضع العسكري في قواعد استراتيجية.

ردّ الفعل الغربي

أثارت زيارتا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية وفيتنام ردود فعل عنيفة من الغرب، وعلى رأسه أمريكا، فقد قال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية صراحةً: «نحن قلقون بشدة من أي تعاون عسكري بين روسيا وكوريا الشمالية، ونرى أن مثل هذه التحركات تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي». وكذلك عَبّر الاتحاد الأوروبي عن «قلقه البالغ» مؤكداً الحاجة إلى احترام العقوبات الدولية.
وفيما يخص فيتنام، أشار بيان المفوضية الأوروبية إلى أن «الاتحاد الأوروبي يتابع بقلق الزيارة الروسية إلى فيتنام، ويؤكد على أهمية الحفاظ على الاستقرار في جنوب شرق آسيا». غير أن التصريحات التي أدلى السفير الأمريكي في فيتنام، مارك كنايبر، تعكس موقف الولايات المتحدة الغاضب. فقد سلطت التصريحات الضوء على المخاوف الأمريكية من تأثيرات هذه الزيارات على «الاستقرار الإقليمي» وعلى مصالح واشنطن وحلفائها، ودار حديث السفير عن التأثير السلبي على التوازن العسكري في المنطقة، وتصاعد التوترات في جنوب شرق آسيا، وتعقّد النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي.

المقصد والهدف!

ردود الفعل الغربية العنيفة على زيارتي بوتين الأخيرة إلى كوريا الشمالية وفيتنام هي مؤشرٌ واضحٌ على أهمية الخطوات الروسية، وهذا ما يؤكّد أن التوجه الجديد يعكس رؤية بعيدة المدى لمستقبل مشترك في فضاء عالمي، يلعب الشرق دوراً رئيسياً في تحديد معالمه. وفي الطريق نحو استكمال العملية الاستراتيجية الشاقّة والطويلة، يبدو أن روسيا تضغط دوماً على الغرب وأمريكا على وجه الخصوص، عبر فتح أبواب الجبهات العديدة أمامها للقول: وهنا أيضاً توجد جبهة يا أمريكا! وهذا مفهوم وواضح المقاصد بطبيعة الحال، فروسيا بذلك تُضعِف قدرات خصومها، وتشتتها أكثر ممّا هي ضعيفة ومشتّتة الآن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180