حجم رهان الولايات المتحدة يساوي حجم خسارتها!

حجم رهان الولايات المتحدة يساوي حجم خسارتها!

مع الساعات الأولى التي تلت حرب الكيان الصهيوني على غزة، كان من الواضح أنّها لن تكون مجرد رقم جديد يضاف إلى قائمة الحروب على القطاع، ولم يكن من الصعب استنتاج أننا أمام نقطة مفصلية، فإن كانت «السيوف الحديدية» حربٌ ضمن سلسلةٍ من الحروب، مثل «الرصاص المصبوب 2008» أو «عامود السحاب 2012» أو غيرها، إلا أنّها تميّزت بمسائل نوعية.

على ماذا يبنى هذا الاستنتاج؟

في الوقت نفسه، لم تكن الجعبة الأمريكية فارغة، بل أُخرجت منها أدوات كثيرة حاولت واشنطن من خلالها تغيير الواقع الجديد، أو إعاقة تقدم الخصوم وإشغالهم على أقل تقدير.
كغيرها من نقاط التاريخ المفصلية، بدت هذه اللحظة لأولئك الذين يعيشونها أزليةً، دوامة من دوائرَ مغلقة، لكنّها كانت في الواقع «لحظة» تحوّل نوعي، أي أن الأحداث التي بدت مكررة لا جديد فيها، كانت تقترب من الانقلاب إلى حالة فريدة، وهو تماماً حال «طوفان الأقصى» وما تلاه في منطقتنا.

عن الفعل ورد الفعل

«السيوف الحديدية» في هذا المثال كانت ردّ فعل، ولا نقصد هنا أنّها رد على «طوفان الأقصى» بل كانت رداً على وزن التيار الصاعد الذي كان «طوفان الأقصى» أحد تجلياته، الولايات المتحدة استخدمت أداتها المفضّلة «إسرائيل» في محاولة جديدة لإعاقة التاريخ، وهو ما يفسر حجم هذه الحرب ودرجة عدوانيتها، فطوال الشهور الثمانية الماضية قدّمت الولايات المتحدة حوالي 15 مليار دولار كمساعدات للكيان، وهذا أقل بكل تأكيد من الرقم الفعلي الذي يصعب معرفته على وجه الدقة، لكن الرقم التأشيري هذا بحد ذاته، يكشف حجم الرهان الأمريكي، فالكيان تلقى منذ تأسيسه ما يقدّر بـ 310 مليارات دولار، بوسطي نظري يقارب 3 مليارات سنوياً، لكن المساعدات ارتبطت أيضاً بطبيعة الموقف في كل سنة، إذ وصلت في حرب أكتوبر 1973 إلى 12.4 مليار دولار، ثم في عام 1979 إلى 14 مليار دولار، أي أن الدعم الذي تلقاه الكيان في حربه الأخيرة هو دعم غير مسبوق في العقود الأربعة الماضية! وينبغي أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة انخرطت بشكل مباشر في الصراع الحالي في موقعين على أقل تقدير، في البحر الأحمر، وأثناء الدفاع عن الكيان في وجه الرد الإيراني.
حجم «الاستثمار» في هذه الحرب يعد مؤشراً لا ينبغي إهماله، ولا يمكن حصره بالأرقام التي جرى عرضها عن مصادر أمريكية، بل هو جزء من دعم لا يمكن قياس جوانبه كلّها بالأرقام، ومن هذه الزاوية بالتحديد ينبغي لنا أن نسأل عن مسألة أساسية:

ماذا تعني خسارة هذا الرهان؟

الأموال التي استثمرتها الولايات المتحدة في «إسرائيل» في أواخر سبعينيات القرن الماضي حققت في الواقع اختراقات سياسية كبرى، كان أبرزها على المستوى الإقليمي إخراج مصر من المعادلة، وتكبيلها في معاهدة كامب ديفيد، مع ما عناه ذلك في حينه من عزلها عن الكتلة الاشتراكية وإلحاقها بالكتلة الغربية، وهو ما عبّد الطريق لدور أمريكي كبير جداً في المنطقة مع مقاومة محدودة.
أما اليوم، فالصورة تختلف بشكلٍ جذري، فكل الدعم والانخراط الأمريكي لا «يبشر» حتى بنسبة ضئيلة مما جرى تحقيقه في السبعينيات، بل هناك مؤشرات معاكسة تماماً، فلم تستطع «إسرائيل» مع كل هذا الدعم تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية في غزّة، أما على الضفة الثانية من الحدود نشهد اليوم بشكل معلن خرقاً لكامب ديفيد من الجانبين المصري و«الإسرائيلي»، ما يهدد هذه المعاهدة لأول مرة بشكل جدي منذ توقيعها، هذا بالإضافة إلى أننا شهدنا أيضاً ضربة كبيرة لنظام الردع في الكيان، إذ لم يستطع إثبات نفسه أمام هجوم إيراني مضبوط، ومن جهة ثانية تتلقى الولايات المتحدة بشكل مباشر ضربات في البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثيين وصلت حد استهداف حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور في سابقة هي الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

الجزئية الأهم في كل هذا، أن المبادرات الأمريكية يمكن أن تنفد، وحينها فقط ستكون الشروط اكتملت بالفعل لتوجيه ضربة استراتيجية من قبل روسيا والصين للدور الأمريكي في المنطقة، إذ يبدو أن هناك قناعة في موسكو وبكين أن الولايات المتحدة ستسقط في نهاية المطاف، وستكون في وضعٍ لا يسمح لها بصد هجوم مضاد واسع وشامل، وعندها سنعلم تماماً سبب قلق الولايات المتحدة و«إسرائيل» من طوفان الأقصى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177