النتائج معاكسة لأهداف الاستراتيجية الأمريكية - الصهيونية
مع كلِّ أسبوعٍ جديد يتضح اتجاه الرياح أكثر، فإن كانت كفّة «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية رجحت لعقود، فالوضع اليوم يختلف جذرياً إذ تتعقّد الخيارات أمام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بينما يبدو المشهد أكثر وضوحاً بالنسبة لخصومهم، ما يجعل الإحاطة بالتطورات كلها مسألة شاقة، فمن لاهاي إلى النرويج وإسبانيا وإيرلندا ثم إلى الواقع الملتهب في الأراضي المحتلة، صورة متشابكة لكنّها واضحة في الوقت نفسه!
شغلت تطورات ملف القضية في محكمة العدل الدولية اهتمام الكثيرين، فأصدرت المحكمة قراراً يطالب «إسرائيل» بالوقف الفوري لهجومها على رفح، وضرورة فتح المعبر للمساعدات، وغير ذلك من التفاصيل. وبالرغم من أنَّ المحكمة لن تكون قادرة على فرض تنفيذ قرارها على أرض الواقع، إلا أن تطوراً بهذا الحجم مع إعلان المدعي العام في المحكمة الدولية إصدار مذكرات توقيف في حق نتنياهو وغالانت يزيد من عزلة الكيان على الساحة الدولية، ويعقّد الوضع بالنسبة للدول الداعمة له، التي ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً مضطرةً لاتخاذ إجراءات بغير مصلحة الكيان.
حول ملف المحكمة
التقدم الذي تم إحرازه لا يلغي حجم الضغوط الذي تتعرض له هذه المؤسسة التي استُخدمت أداةً بيد الغرب لترهيب خصومه، لكن التوازنات داخلها، كغيرها من المؤسسات الدولية، بدأت تعطي مؤشرات على تغييرات محسوسة، فمع أن مذكرات التوقيف شملت قيادات في حماس، إلا أن ذلك كان متوقعاً في ظل الضغوط الهائلة التي تحدّث عنها صراحة المدعي العام كريم خان، ومع ذلك استطاعت المحكمة توجيه اتهامات للكيان بشكل واضح.
من جهة ثانية، يبدو أن مذكرات التوقيف الصادرة بحق رئيس الوزراء الصهيوني ووزير حربه يمكن أن تتحول إلى ذريعة جديدة داخل الدول الغربية للهجوم على نتنياهو وحكومته، واعتباره «المسؤول الوحيد عمّا يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة» في الوقت الذي لا يمكن فصل سياسة نتنياهو عن تاريخ سياسة الكيان اتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
هل تتجدد المفاوضات؟
بعد أنباء قادمة من تل أبيب وواشنطن عن اقتراب بدء جولات جديدة من المفاوضات، أعلن القيادي أسامة حمدان من حركة حماس، أنه لن تكون هناك عودة للمفاوضات، قبل وقف العدوان وسحب قوات الاحتلال وعودة النازحين والالتزام بقرارت محكمة العدل. الإعلان هذا جاء بعد تأكيد الحركة أنّها تدرس استراتيجية تفاوضية جديدة بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وعلى هذا الأساس يبدو الموقف واضحاً، إذ ترى الفصائل حسب ما يمكن قراءته في تصريحات حمدان، أنّهم وافقوا على المقترح الذي قدّمه الوسطاء، وعلى هذا الأساس يجب أن تكون الخطوة التالية تنفيذ بنوده لا العودة إلى مفاوضات مفرغة.
محاولات لإدارة الأزمة داخل الكيان
الإعلان المشار إليه من جانب الكيان عن اقتراب بدء جولات المفاوضات جاء فيما يبدو كمحاولة للتخفيف من حدّة التوتر في الشارع، إذ شهدت «إسرائيل» احتجاجات يوم السبت 25 أيار الجاري شارك فيها الآلاف، وظهر وضوحاً أن الشارع بات أكثر استعداداً للتحرك، وخصوصاً بعد الكشف عن مصير عددٍ جديد من المحتجزين داخل القطاع.
المشهد السياسي الداخلي عالقٌ في دوامة قاسية، فالخلافات في الحكومة ستصل إلى مستويات جديدة وخصوصاً مع اقتراب الدورة الصيفية للكنيست، فالائتلاف الهش يمكن أن ينهار، وخصوصاً إذا ما انسحب الوزير بيني غانتس منه، وأن الأخير أمهل نتنياهو حتى 8 حزيران القادم، موضّحاً أن على رئيس الحكومة الاختيار «بين الفرقة والوحدة وبين النصر والكارثة».
منذ الأيام الأولى كان واضحاً أن الهدف الأساسي للكيان والولايات المتحدة هو استمرار الحرب لأطول مدّة ممكنة، وإعاقة أي مسعى جدي للوصول إلى وقف إطلاقٍ للنار، لكن استراتيجية كهذه كانت محفوفة بالمخاطر، فالضغط الذي ولّدته هذه الحرب لم يكن من السهل إدارته على المستوى العالمي، وخصوصاً أنّها لم تعطِ الثمار التي سعت إليها واشنطن، واليوم يمكننا القول: إننا ندخل مرحلة جديدة ترسم في الواقع صورة أشمل من نقطة نهاية الحرب، إذ سيدرك صناع القرار في واشنطن أن المشكلة تجاوزت استحالة تحقيق أهداف الحرب، ووصلت إلى درجة أن الحرب نفسها باتت تعطي نتائج عكسية، وتحديداً على مستوى الفرز والاصطفافات، والأمثلة على ذلك كثيرة حقّاً.
ملف المفاوضات الذي استخدمت فيه واشنطن وسطاء من الدول العربية يتحوّل تدريجياً إلى عبءٍ على هذه الدول، وتحديداً مع توضيح الجوهر المخادع لهذه المفاوضات، ما يمكن أن يدفع هذه الأطراف للبحث عن مخارج أخرى بعيداً عن الولايات المتحدة. ومن جهة ثانية، وصلت مبادرات التطبيع مع الدول العربية إلى طريق مسدود، بل بات الظرف الحالي يهدد استقرار الاتفاقيات السابقة، هذا بالإضافة إلى أن سلسلة الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 تعني أننا ندخل فعلاً مستوى أعلى بدا بعيداً قبل سنوات قليلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1176