مشروع القرار الجزائري ومستقبل الدور الأمريكي في الملف الفلسطيني
بدايةً، يدور النقاش في هذا المقال ما بين زمنين، ويتحدّث عن مسألتين، الأولى: هي «مبادرة السلام العربية» والثانية: هي المقترح الجزائري الجديد الذي قدّم لمجلس الأمن فيما يخص عضوية فلسطين. بشيء من التفصيل، نحاول هنا إلقاء الضوء على حل القضيّة الفلسطينية من وجهة نظر الدول العربية، والدور العربي حيالها.
لا بدّ أن الجميع سمع بـ «مبادرة السلام العربية» التي طرحت من قبل المملكة العربية السعودية بوصفها «خطة سلام»، والتي تم تبنيها بالإجماع في قمة الجامعة العربية التي عقدت في بيروت في العام 2002. هدفت هذه المبادرة إلى إنهاء الصراع العربي - «الإسرائيلي» وتحقيق السلام الشامل مقابل انسحاب «إسرائيل» من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك الضفة الغربية، وقطاع غزّة، والجولان السوري.
الإطار القانوني للمبادرة
تستند «مبادرة السلام العربية» بإطارها القانوني إلى قرارات الأمم المتحدة والمبادئ الدولية المتعلقة بحقوق الدول والشعوب، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338؛ القرارات التي تطالب بانسحاب القوات «الإسرائيلية» من الأراضي المحتلة في عام 1967 وتؤكد على حق كل دولة في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دولياً.
السياق السياسي
جاءت المبادرة في سياق محاولات مستمرة لإحياء عملية السلام، خاصة بعد فشل محادثات كامب ديفيد في عام 2000 واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. واستندت إلى ما خلص إليه مؤتمر القمة العربي عام 1996 في القاهرة بأن «السلام العادل والشامل خياراً استراتيجيّاً للدول العربية». وتضمّن نص المبادرة الحديث عن الانسحاب «الإسرائيلي» من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمةً لها. بالإضافة إلى حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين بما يتوافق مع القانون الدولي، وحينها فقط يمكن الحديث عن اعتراف بـ «إسرائيل».
«إسرائيل» ترفض السلام
بالكاد جفّ الحبر الذي كُتبت به «مبادرة السلام العربية»، وقبل عودة الزعماء العرب إلى بلدانهم من قمة بيروت، سارعت «إسرائيل» - كالمعتاد - إلى رفض فكرة السلام. إذْ أعلن شارون ووزير حربه بنيامين بن أليعازر رفضهما وازدرائهما للمبادرة بشكل شامل، وأعلنوا بصراحة عن بدء حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني بهدف كسر إرادة المقاومة الفلسطينية وتصفية قادتها الميدانيين.
أثيرت المبادرة مرات عديدة في القمم العربية وغيرها، ولكن لم تلقَ على الدوام قبولاً من قبل كيان الاحتلال، وجدد بنيامين نتنياهو رفضها بشكلها الحالي، وسعى لاستبدالها بتطبيع مع السعودية، الأمر الذي لم ينله حتى اللحظة. كما شهد موقف الدول العربية من المبادرة تغيرات مع مرور الوقت، فقد واصلت الدول العربية دعمها في البداية، لكن في مراحل لاحقة، بدأت بعض الدول العربية، بما في ذلك بعض دول الخليج، تظهر تقارباً أكبر مع «إسرائيل»، مدفوعةً بمصالح ضيّقة، وجرى ربط هذه العلاقات بالمخاوف من النفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا التقارب شمل زيادة التعاون الاقتصادي الأمني والتكنولوجي، وصولاً إلى ما يسمى بـ «اتفاقات ابراهام» عام 2020، أي اتفاقات التطبيع ما بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية في المنطقة، فقد أقدمت الإمارات العربية المتحدة والبحرين على تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، تلاها في ذلك السودان والمغرب.
جاءت هذه الاتفاقيات كجزء من تحول أوسع نحو التعاون مع «إسرائيل»، وقد اعتبرها البعض خروجاً عن مبادئ «مبادرة السلام العربية»، وخاصة مبدأ «الأرض مقابل السلام». ومع تزايد الضغوط والتحديات الإقليمية الجديدة ما بعد 7 أكتوبر و14 نيسان/أبريل، يواجه الموقف العربي من القضية الفلسطينية معطيات جديدة تفرض إعادة تقييم الاستراتيجيات والمقاربات في ظل الواقع الإقليمي الجديد، الواقع الذي تسمح إحداثياته الجديدة بالقول: إنّ «اتفاقات إبراهام» أصبحت من الماضي.
المقترح الجزائري الجديد
آخر المستجدات السياسية المتعلقة ببحث مسألة فلسطين والقضية الفلسطينية، هو الاقتراح الجديد الذي قدمته الجزائر خلال نيسان الجاري لمجلس الأمن، بخصوص قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، حيث تتواجد فلسطين الآن بصفة مراقب غير عضو منذ عام 2012. أحيل المقترح إلى لجنة القبول في مجلس الأمن، وجرى التصويت عليه يوم الثلاثاء 16 نيسان/أبريل 2024.
لاقى المقترح الجديد قبولاً وتأييداً عربيّاً، لكن عند التصويت، عارضت الولايات المتحدة الطلب معتبرة أن قضية العضوية الكاملة يجب أن تُحل عبر التفاوض المباشر بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ورفعت الـ «فيتو» بوجه المقترح الجديد. ورداً على ذلك، ندّدت جهات عربية (الجزائر – السعودية – قطر - الإمارات) ودولية بإعاقة واشنطن للقرار، وفلسطينياً، رأت السلطة في ذلك «عدواناً صارخاً» يدفع المنطقة إلى «شفا الهاوية»، فيما أكّدت «حماس» مواصلة النضال «لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة وعاصمتها القدس».
معالم إحداثيات جديدة
إذا أخذ المرء بعين الاعتبار، الصفعة التي تلقتها اتفاقات التطبيع ما بعد 7 أكتوبر، والتقارب السعودي– الإيراني، والاتجاه السعودي الجديد فيما يخص العلاقة مع أمريكا، والموقف من التطبيع مع الكيان، بالإضافة إلى الهجوم الإيراني الذي يُعد الأول من نوعه منذ خمسة عقود، والذي غيّر إحداثيات المعركة... كل هذا وغيره يسمح بالقول: إن معالم جديدة ترتسم باتجاه منظومة إقليمية جديدة قيد التشكّل، الأمر الذي يمثّل النهاية للنظام الإقليمي السابق، ويمهد الطريق لإحداثيات تُنصف شعوب المنطقة، وتدعم حقها في تقرير مصيرها، بما في ذلك الشعب الفلسطيني العنيد الذي ذاق الويلات خلال عقود طويلة.
نتائج متوقّعة للفيتو الأمريكي
الفيتو الأمريكي الجديد في مجلس الأمن كان خطوة متوقعة، وخصوصاً بالنظر إلى سلوك واشنطن تاريخياً في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومع ذلك تحمل الخطوة في طياتها أهدافاً أوسع من مجلس الأمن ويتضح ذلك من خلال المواقف العربية من الفيتو الأمريكي، فنظرياً كانت واشنطن تصرّ على أنّها «تدعم قيام دولة فلسطينية» وكانت هذه الكذبة أداة ضمنت لواشنطن دوراً أساسياً في إدارة ملف القضية الفلسطينية، إذ أدت دور الوسيط الأساسي لعقود، لكن نتائج هذا الدور أثّرت سلباً كما هو معروف. ومن هنا تبدو أهمية الخطوة الجزائرية التي تم طرحها ونقاشها حتماً خارج مجلس الأمن أولاً مع أطراف عربية وربما دولية أخرى، فمن الجانب الأول اضطرت واشنطن لإزالة القناع مجدداً ورفضت قيام دولة فلسطينية، واعتبرت أنه يجب أن يتم حصراً عبر مفاوضات بين «إسرائيل» والفلسطينيين في الوقت الذي يُعد ذلك مخالفاً للقرارات الدولية التي ثبتت حق الفلسطينيين في دولتهم، من جهة ثانية، يمكن أن يؤدي الفيتو الأمريكي لتداعيات أخرى، فالدول العربية التي قبلت بتوقيع اتفاقيات مع الكيان، وتلك التي دخلت في مفاوضات لهذا الهدف، لا يمكنها القبول بالموقف الأمريكي، بل يمكن لهذا الموقف أن ينسف أو يعيق هذه المفاوضات من أساسها، هذا إلى جانب أنّه يمهد الطريق مجدداً لإنهاء الاحتكار الأمريكي لملف القضية الفلسطينية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1171