«مبادرة البحار الثلاثة» وقود جديد لإحراق أوكرانيا
يشهد الملف الأوكراني مساعي لتصعيد جديد، والحديث يدور عن إغراق أطراف جديدة في الصراع، فبالرغم من الخسائر العسكرية الأوكرانية والغربية المستمرة، هناك تحركات جديدة تهدف إلى توريطٍ أكبر للدول الأوروبية من فنلندا والسويد إلى ألمانيا وبولندا ودول البلطيق الثلاث لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، وحملت الأيام القليلة الماضية تطورات ملموسة في هذا السياق تنوعت بين حزم عقوبات جديدة وتوقيع اتفاقات أمنية وعسكرية.
توتر على طول الجبهة الغربية لروسيا
بدأت دول البلطيق بتصعيد جديد تجاه موسكو، تحديداً لاتفيا وليتوانيا، حيث أعلنت لاتفيا خلال الشهر الماضي طرد بعض الدبلوماسيين الروس من أراضيها، وكان رئيس لاتفيا قد تعهد خلال شهر شباط بتقديم «قذائف مدفعية وأسلحة مضادة للطائرات وقنابل يدوية وطائرات مسيّرة» لكييف خلال العام الجاري، وساءت العلاقات أكثر مع موسكو منذ ذلك الحين، وخلال الأيام القليلة الماضية زار الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي العاصمة الليتوانية فيلينيوس، والتقى خلالها نظيره اللاتفي إدغارس رينكيفيتش ووقعا اتفاقاً أمنياً ثنائياً، وينصّ الاتفاق الموقع وفقاً لزيلينسكي على «دعم عسكري سنوي من لاتفيا لأوكرانيا بنسبة 0.25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي» وأشار إلى أن لاتفيا «التزمت لمدة 10 سنوات بمساعدة أوكرانيا في مجال الدفاع السيبراني وإزالة الألغام وتكنولوجيا المسيّرات».
وفي ليتوانيا التقى زيلينسكي مع وزير الدفاع الليتواني الجديد لوريان كاشيوناس، وشكره زيلينسكي على مساعدات ليتوانيا المالية، وتنفيذ مبادرة التشيك بشراء ذخائر مدفعية وتخصيص الأموال لشراء الطائرات المسيرة، وجرى الحديث عن إمكانيات تقديم مساعدات مالية وعسكرية أكبر لأوكرانيا.
جاءت هذه اللقاءات وما خرج عنها، بالتوازي مع استضافة ليتوانيا يوم الخميس لاجتماع قمة قادة ما يسمى بـ «مبادرة البحار الثلاثة» والتي تضم 13 دولةً من أعضاء الاتحاد الأوروبي الواقعة بين بحار البلطيق والأدرياتيكي والأسود، وتهدف المبادرة بشكل رئيسي إلى تحويل دول البلطيق إلى وقود جديد في المعركة التي يغذيها الغرب في مواجهة روسيا، وتظهر المبادرة أيضاً بوصفها استكمالاً لطوق التوتر حول روسيا، الذي شمل أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق الثلاث وصولاً إلى فنلندا في الشمال، لتكتمل أركان إشعال الجبهة الغربية بشكلٍ كامل.
وبدرجة تصعيد أكبر وأخطر، أعلنت ألمانيا بعد انتهاء القمة إرسال دفعة من قواتها العسكرية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية خارج حدودها إلى ليتوانيا بـ 24 جندياً، من أصل 4800 تقرر نشرهم خارج الحدود على أساس دائم.
اتفاق أمني جديد مع بريطانيا
قبل يوم واحد من الاجتماع في ليتوانيا، أعلنت المملكة المتحدة وأوكرانيا توقيع اتفاقية دفاعية جديدة، تهدف وفقاً لبيان الحكومة البريطانية إلى «تشجيع التعاون في الشؤون الدفاعية والصناعية»، وأكمل البيان: إنّ هذه الاتفاقية ستساعد «في جعل العمليات العسكرية الأوكرانية أكثر فعالية» وأنها ستمكّن «البلدين من العمل معاً لمواجهة التحديات الأمنية، وتعزيز الصناعات الدفاعية، وتنفيذ مشاريع مشتركة رفيعة المستوى خلال الأشهر المقبلة» وقد يشمل هذا التعاون «عشرات المشاريع بين بعض أكبر شركات الدفاع في المملكة المتحدة والقوات المسلحة والشركات الأوكرانية، بدءاً من إنشاء مرافق إصلاح عسكرية استراتيجية إلى إعادة تشييد البنية التحتية المدنية واعتماد التكنولوجيا للحماية من الهجمات السيبرانية».
عقوبات جديدة
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عبر بيان لها مؤخراً، حظر استيراد ودخول مواد الألمنيوم والنحاس والنيكل الروسية إلى الولايات المتحدة باستثناء ما تم إنتاجه قبل 13 نيسان من العام الجاري، وأعلنت بريطانيا انضمامها لهذا الحظر وعلى المواد نفسها بدخولها إلى المملكة المتحدة.
زيلينسكي يهذي: هجوم مضاد جديد
التحركات والاتفاقات هذه والعقوبات الجديدة وغيرها، عززت أوهام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بإمكانية إطلاق هجوم مضاد جديد، فـأعلن خلال مقابلة له مع صحيفة «بيلد» الألمانية، أن بلاده تُعدّ خطة هجوم مضاد جديد تتضمن استهداف جسر القرم وتدميره، معلناً: «نريد هذا بشدة. والحديث لا يدور حول الجسر في كيرتش فقط، الذي يتحدث عنه الجميع. الحديث يدور حول بعض مرافق البنية التحتية التي تمثل هدفاً عسكرياً. الحديث يدور حول الجسور والمطارات» وقال: «لدى روسيا أفرادٌ وأسلحة أكثر، لكن الغرب الموحد يمتلك أنظمة أسلحة حديثة. ولذلك سنحصل على تكنولوجيات معينة. وإذا واصلنا زيادة الإنتاج وحصلنا على التراخيص من شركائنا، فإن الأمر لن يكون متعلقاً بعدد الأفراد، بل سيدور الحديث عن نوعية الأسلحة».
تمرّد في القوات الأوكرانية وتذمّر من قانون التعبئة
يتحدث زيلينسكي عن هجوم مضاد جديد رغم أن الجروح الناتجة عن فشل الهجوم المضاد الأخير لا تزال تنزف، كما يتحدث عن هذا الأمر وسط تدنٍّ للقوة العسكرية الأوكرانية عدداً ونوعاً وسلاحاً وذخيرة، ووسط اعتراف زيلينسكي نفسه بفرار وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية طواعيةً عن مواقعها على خطوط المواجهة، وقال: «بسبب انسحابهم وطول خط المواجهة، علماً أن المسافة بين الوحدة والأخرى يمكن أن تكون كبيرة جداً، تمت محاصرة عدد كبير من العسكريين» زاعماً أن ذلك جرى بسبب ترهيب أحد القادة لأعضائه.
وحول قانون التعبئة الجديد الذي أقره البرلمان الأوكراني مؤخراً، أكد رئيس الوزراء الأوكراني السابق نيكولاي أزاروف: إنه لا يرضي الجيش ولا المواطنين الأوكرانيين، وقال: «تمكن زيلينسكي من فرض مشروع القانون لتوسيع نطاق التعبئة، وهو ما لا يرضي الجيش والأوكرانيين على حد سواء. القانون لا يمنح العسكريين أي إجازات أو تسريح، كما يلزم بإرسال الرجال إلى الموت عبر التعبئة الشاملة والشديدة».
هل من مفاوضات؟
تنقسم الآراء والتحليلات حول ما إن كان يجري التحضير لمفاوضات أم لا، فمن جهة، يرى البعض أن تصعيد الدول الأوروبية المتاخمة للحدود الروسية الغربية وآخرها دول البلطيق، ونشر القوات الألمانية خارج البلاد، وفرض عقوبات جديدة، وتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية جديدة مع كييف، تعد جميعها إشارات لكييف وموسكو على حد سواء، أن موضوع المفاوضات غير موضوع على الطاولة، وبعيد جداً عن التفكير به.
بينما يرى آخرون، أن كل التصعيد الجاري، أوكرانياً وأوروبياً وأمريكياً، إنما يمهد للمفاوضات تحديداً عبر نفخ البالون الأوكراني ومحاولات جعل موقعه التفاوضي –أي موقع الغرب التفاوضي بالعموم عملياً– أكبر مستقبلاً.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار فرص فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات القادمة، يمكن النظر إلى خطوات التصعيد جميعها، بوصفها خطوة استباقية، من شأنها إرباك ترامب في حال فوزه، وخصوصاً أنّه يكرر وعوده ببدء مفوضات فور فوزه.
كتلة منفصلة
جميع الخيارات التي يجري الحديث عنها لا تُغيّر الواقع على الأرض، وما يظهر أمامنا اليوم يؤكد أن الهدف الأمريكي لا يزال يركز على إدامة الاشتباك قدر المستطاع، وإضافة وقود جديد للصراع المشتعل، فمن الواضح أن إمكانية حشد قوات وسلاح جديد إن حصل فعلاً، لن يغير في النتيجة النهائية لهذه الحرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1170