قضايا الشرق ... إخراج الأمريكان من المنطقة
إذا ما أردنا تحديد ذلك الهدف الجامع الذي يصبّ في مصلحة شعوب منطقتنا فسيكون إخراج الولايات المتحدة أول ما يخطر على البال، فالدور الذي لعبته كان يتعارض مع مصالحنا العميقة، ورغم أن فكرة من هذا النوع كانت تبدو غير مفهومة وبعيدة عن الأذهان قبل عقود، إلا أنّها اليوم واضحة وقابلة للتصديق رغم كل الدعاية الأمريكية المضادة.
منذ احتلال العراق لم يعد هناك مجال لتبرير السلوك الأمريكي، فبعد سنوات مضت راعت فيها واشنطن صورتها أمام الرأي العام، ظهرت وقتها واضحة بلا أي أقنعة، وبات «مشروع الفوضى الخلاقة» أمامنا، وكانت مشاهد سقوط بغداد وأحداث السنوات اللاحقة لحظة تاريخية مفصلية، فإما كسر المخطط الأمريكي وإما تفجير دول المنطقة واحدة تلو الأخرى.
إلا أنّ الاستجابة لهذا التهديد العظيم لم تكن في المستوى المطلوب، وإن كان الخطاب العام المعادي للسياسات الأمريكية ارتفع بوضوح منذ ذلك الوقت، إلا أنه لم يترافق مع ركائز أساسية يمكن معها القول: إننا نسخّر طاقاتنا للدفاع عن أنفسنا فعلاً، وهو ما دفعنا ثمنه طوال العقدين الماضيين.
فالولايات المتحدة لم تتوقف في العراق، وطوّرت هجوماً هجيناً، لتضرب في ليبيا وتدفعها لصراع لم يتوقف، لتتدخل بعدها في سورية وتغذّي الصراع المسلح وتعيق الحل، وسعت أيضاً إلى تفجير تركيا، هذا بالإضافة إلى حربٍ في اليمن ودورٍ مشبوه في السودان وابتزاز وضغط على مصر..إلخ، هذا بالإضافة إلى دور أساسي في تعطيل حل القضية الفلسطينية، ودعم الكيان وإمداده بكل ما يحتاجه في كلِّ حروبه.
كلُّ ذلك يجعل من مهمة إخراج الأمريكان من المنطقة وإنهاء دورهم المشبوه مهمّة وطنية وأساسية لم يعد بالإمكان القفز فوقها أو تأجيلها، وهو ما يعني ضمناً أن هذا الهدف لم يكن يوماً من الأيام «بروباغندا إيرانية» أو «خدمة للمشروع الإيراني» إذ ليس من المبالغة أن نقول: إن التواجد الأمريكي والمشروع الصهيوني هما التهديد الأكبر وهما أقدم بعقود مما يسمى بالمشروع الإيراني.
تدرك أمريكا حتماً أن سياستها تتعارض مع مصالح شعوب منطقتنا، ولكّنها ركّزت في السنوات الماضية على أن خصمها الوحيد هو إيران، لتحاول تصوير المعركة بوصفها «شأناً خاصاً» لا علاقة للآخرين به، ولم تكتف بذلك، بل تأمّلت جرّ بعض الدول إلى مواجهة مع إيران، وعملت على ضرب كل علاقات الإقليم معها. لكن المهمة فشلت، وإن كانت هذه الأوهام لا تزال تتردد في حديث البعض، إلا أن خطورة الدور الأمريكي لم تعد خافية على الدول الإقليمية الأساسية، وهو ما يضمن أن ينتقل هدف «إخراج الأمريكان من المنطقة» ليصبح خطة عمل إقليمية مشتركة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1170