الانتخابات الأمريكية... «فِلس ترامب» لا يُغيّر الحقائق!
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، أدلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتصريح ضجّت فيه وسائل الإعلام. أعرب أوربان عن اعتقاده بأن دونالد ترامب هو الشخص الوحيد القادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وأن المفاوضات يجب ألّا تكون مباشرة بين أوكرانيا وروسيا، بل بين الولايات المتحدة وروسيا، مع قيادة ترامب للجانب الأمريكي فيها.
وشدّد أوربان على أنه بحال أُعيد انتخاب ترامب، فإنه لن يخصص «فلساً واحداً» لمساعدة أوكرانيا في صراعها ضدّ روسيا. مشيراً إلى أن الصراعات ستنتهي دون الدعم المالي والعسكري الأمريكي، نظراً لعدم قدرة أوروبا وحدها على تمويل الحرب.
هذا وقال أوربان: إن الدعم العسكري المستمر من الولايات المتحدة يسمح لأوكرانيا بالاستمرار في الصراع، وهو ما اعتبره دليلاً على أن تغيير القيادة الأمريكية قد يُغير بشكل كبير في ديناميكيات الحرب.
حقيقة الانقسام الأمريكي
يرى البعض، أن تصريح أوربان يسلّط الضوء على مخاوف أوسع بين القادة الأوروبيين بشأن التداعيات المحتملة لرئاسة ترامب مرة أخرى على دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وحلف الناتو. ويعوّلون على فروقات جّدية في السلوك الأمريكي تجاه كلّ الملفات الحامية مع وصول أحد الرئيسين إلى سدّة الرئاسة. لكن ما يجب أن يكون واضحاً من البداية، هو أن الانقسام في الداخل الأمريكي ليس بين أشخاص أو أحزاب، بل هو في العمق انقسام بين تيارين، هما: تيار الحرب، وتيار الانكفاء النشط.
ولهذا يبدو النقاش حول الانتخابات الأمريكية مضخماً، كما لو أن وصول ترامب أو بايدن يمكن أن يؤثر بشكل حاسم على القضايا الأساسية التي تواجه الولايات المتحدة، وتحديداً «الانقسام الأمريكي» إذ لن يكون وصول أيّ منهما كفيلاً بحل التناقض الحاصل، أي أن النتيجة لن تُغير من واقع تراجع الولايات المتحدة الذي أضحى حقيقة لا يمكن إنكارها، ولن تغير أيضاً من شدة الانقسام.
وهو ما يدفعنا للقول: إنّ الأزمة الأمريكية وما نتج عنها من تراجع هو مسألة عابرة لثنائيات من نمط جمهوري/ديموقراطي وغيرها، والفرق الوحيد الذي يمكن الحديث عنه يكمن في أن المتنافسين اليوم يملكان برامج مختلفة بما يخص كيفية «إدارة الأزمة» أو «إدارة التراجع».
لفهم الاختلافات بين الإدارتين بشكل أوضح، يمكن النظر إلى الفترتين الرئاسيتين الأخيرتين في الولايات المتحدة - فترة رئاسة ترامب، والفترة الحالية تحت قيادة جو بايدن، ففي الوقت الذي سعى ترامب للتراجع في عدد من الملفات السياسية الخارجية، نرى أنه لم ينجح في إحراز ما يريده تماماً، وذلك بسبب ممانعة الطرف الآخر داخل الولايات المتحدة، الذي تمتع في حينها بوزن ملموس داخل جهاز الدولة، ومع وصول بايدن إلى الحكم تبيّن أيضاً أن سياسته الخارجية لم تكن تسير باليسر المطلوب، وعانت من ممانعة التيار المقابل، التيار الذي مثّله ترامب.
ما وراء «فلس ترامب»!
هنا قد يعتقد البعض أن إدارة ترامب، لو كانت موجودة الآن أو عادت إلى السلطة، قد تهتم أكثر بسلام أوروبا أو العالم. لكن في حقيقة الأمر هذا غير صحيح، لأن الفرق الحقيقي بين الإدارتين يكمن في طريقة التعامل مع التكاليف والمكاسب. ومن هنا يرفض ترامب وتيّارُه تدخُّل أمريكا العسكري في الحرب الأوكرانية؛ لما يحمله ذلك من تكاليف سياسية وعسكرية ومالية باهظة، وليس إطلاقاً لما يحمله من مخاطر على السلام والأمن.
وصول بايدن أو ترامب للسلطة لن يبطئ من تسارع الأزمة الأمريكية العميقة، بل إن الانقسام الذي نتحدث عنه، يعيق التحركات الأمريكية في الاتجاهات كلّها، ما يزيد الخسائر السياسية، التي بدورّها تعود لتعمّق الانقسام الداخلي أكثر. كلُّ ذلك يضع أمام شعوب العالم فرصة لإلحاق هزيمة بالمركز الإمبريالي، ربما تتحول إلى هزيمة تاريخية شاملة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1166