قضايا الشرق ... إنها جبّهةٌ واحدة!
يناقش أصحاب الرأي في «إسرائيل» مسائل كثيرة، مقتنعين بأنها مؤثرة بشكلٍ حاسم على مستقبل مشروعهم الصهيوني، وكما يبدو فإن «قائمة العوامل المؤثرة» هذه تزداد مع الزمن وبشكلٍ ملحوظ، وإن كان كل بندٍ فيها يستحق الوقوف عنده، إلا أنّ فكرة بسيطة برزت بوضوح في الآونة الأخيرة.
رأى أحد كتاب «هآرتس» في مقالٍ له، أن خطأً فادحاً ارتكبه الجيش والقيادة السياسية للكيان، فحددوا المهمة الأساسية للقوات حماية مستوطنات الضفة الغربية، ولكن جيش الاحتلال أغفل حجم التشوّه في توزيع قواته، إذ اكتفى بـ 400 جندي وبضع دبابات على الجدار الفاصل مع غزة، ووضع 5 كتائب لحماية الحدود الشمالية، في حين خصص أكثر من 22 كتيبة لتأمين الضفة الغربية، أي خمسة أضعاف القوات في الشمال، وعشرة أضعافها في الجنوب!
ما أراد الكاتب قوله، هو أن القرار السياسي في داخل «إسرائيل» يشهد اختلالاً في ترتيب «سلّم أولويات الأمن القومي» ولا يخصص الجيش لـ «حماية الحدود»، ولكن إذا ما توقفنا قليلاً عند هذا الرأي بالذات أدركنا أن المسألة أعقد بكثير من «تحديد أولويات الأمن القومي» إذ لا يمكن التقليل من أهميّة أيٍّ من الجبهات التي يجري الحديث حولها، فضعف أيٍّ منها يعني ضربة موجعة للكيان.
المشكلة في الوقت ذاته، أن قدرات جيش الاحتلال محدودة موضوعياً ولا يمكنها التعامل مع عدد غير منتهٍ من المخاطر، فكان القيادي في حركة حماس، الشهيد صالح العاروري، قد أشار في نهاية آب الماضي إلى انخفاض أعداد القوات في محيط غزّة ورأى ذلك إمكانية متاحة لتوجيه ضربة من قبل قوات حماس هناك بالتحديد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان جيش الاحتلال قادراً فعلاً على إعادة توزيع قواته؟ وإن فعل ذلك حقاً فهل كان بإمكانه منعُ «طوفانٍ» آخر في الضفة؟
هناك حقيقة لم يعد بالإمكان إنكارها، وهي أن الجبهات ليست منفصلة كما يحاولون إيهامنا، بل هي جبهةٌ واحدةٌ متصلة، ولا يملك خصمنا الآن ما يكفي «لسد كل الثغور»، فهم يدركون مصادر الأخطار المحتملة ويكذبون حين يقولون عكس ذلك.
يتقاطع حال الكيان هذا مع حال الولايات المتحدة، فالظرف الدولي الجديد فرض على الأخيرة التعامل مع جبهات متعددة تأخذ بالازدياد كمّاً ونوعاً، وما يحاول أصحاب القرار في واشنطن فعله منذ نحو عقدين من الزمن، هو محاولة لتحديد «أولويات الأمن القومي»، وإن كانت النتائج قد تختلف حسب رأي أو آخر إلا أن ذلك كلّه لم ينجح في إنقاذ الولايات المتحدة من تلقي الضربات، ففي هذه الحالة أيضاً تتماهى الجبهات جميعها في جبهةٍ واحدة ولن يكون بالإمكان القتال في الوقت نفسه في كلِّ مكان!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1163