الصين متفرّج أم لاعب أساسي؟
يكثر في الآونة الأخيرة وصف الصين بأنّها «تكتفي بدور المتفرج حيال ما يجري في العالم»، ويقول أصحاب هذا الرأي: إنَّ لـ «الصين مصالح اقتصادية عابرة للحدود، لذلك ترى القيادة الصينية أن الحياد يمكن أن يكون الخيار الأسلم في كثير من الحالات»، فهل يمكن قبول تحليلات كهذه؟ أم أنَّ الصين قوّة مؤثرة في معظم الملفات الساخنة في العالم؟
في أوكرانيا
يجادل هؤلاء منذ بدء الحرب الروسية على الأراضي الأوكرانية، أنَّ بكين لم تنخرط بشكلٍ معلن إلى جانب روسيا في حرْبها، وعلى هذا الأساس حصدت بكين ثماراً ومكاسب بمثابة انعكاسات لتلك الحرب، لكن المسألة في الواقع مختلفة كلَّ الاختلاف، إذ إنَّ الدور الذي كان يفترض أن تؤديه الصين في هذه المعركة لم يكن بالضرورة انخراطاً مباشراً في الأعمال القتالية، بل أدت الصين دوراً أساسياً في تعطيل العقوبات الغربية على روسيا، وقدّمت سوقاً بديلاً للأسواق الأوروبية التي خضعت للأوامر الأمريكية، ومع أن الموقف الصيني ظلّ يدعو لوقف الحرب وإيجاد مخرج دبلوماسي للمأزق، لكنه في الوقت نفسه لم ينجر إلى الفخ الأمريكي الذي سعى منذ زمن لضرب العلاقات الروسية- الصينية المتينة.
في غزّة
لا شك أنَّ صور الدمار اليومية الناتجة عن العدوان الصهيوني كانت قاسية، ودفعت كثيرين للبحث عن مخارج سريعة، ومن هنا توجّهت الأنظار إلى الصين أملاً في أنَّ تؤدي دوراً حاسماً، لكن سياسات الدول لا توضع على أساس أهواء البعض، فالمشهد الحالي يعتبر بنظر روسيا والصين دليلاً على فشل الدور الأمريكي في حلِّ النزاع الأساسي في الشرق الأوسط، وكانت الخطوة الصينية في هذا الخصوص واضحة، إذ رأت بكين أنَّ الانفجار الأخير يعني فرصة سانحة لدفع الملف إلى طريقٍ سالكة بعد أنَّ فرضت واشنطن طريقها المسدود لسنوات، وإنْ كانت الظروف لم تُظهر بعد ملامح الخطوة المقابلة للأطراف الأخرى، لكن يمكننا بوضوح استنتاج الموقف الصيني الذي عبّر عنه الدبلوماسيون الصينيون في محكمة الجنايات وجلسات مجلس الأمن، الموقف الذي يمكن تكثيفه بأن بكين تصر على ضرورة إنهاء الاحتلال، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتعترف الصين بحق الشعب الفلسطيني بمقاومته المسلحة للاحتلال.
في البحر الأحمر
ربما يكون الدور الصيني أكثر وضوحاً في الأحداث الأخيرة في اليمن وخليج عدن، وخصوصاً أن افتعال أزمة هناك وتضخيمها كان هدفاً أمريكياً يضمن لواشنطن تهديد طرق التجارة الأساسية التي تعتمد عليها الصين، فالعمليات العسكرية الغربية التي انطلقت في اليمن ومضيق باب المندب شكّلت مصدر قلق حقيقي، ولذلك كانت التحركات الصينية مدروسة وسريعة، كان آخرها الإعلان عن تحرّك عسكري، إذ أبحر الأسطول الـ46 التابع لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني يوم الأربعاء 21 شباط الجاري من ميناء عسكري في مدينة تشانجيانغ الساحلية بمقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين، لتولي مهمة مرافقة من الأسطول البحري الـ45 في خليج عدن والمياه الواقعة قبالة سواحل الصومال، وبحسب وسائل الإعلام الصينية «أجرى الأسطول تحليلاً دقيقاً، ووضع خططاً مفصّلة. كما نفذ الأسطول تدريباً يحاكي سيناريوهات، مثل: إنقاذ سفن تجارية مختطفة، والتصدي لإرهابيين وقراصنة، وإعادة الإمداد الجاري».
كلّ ما سبق يشير إلى طبيعة التحركات الصينية في أهم الملفات الساخنة اليوم، وإن كان ما جرى ذكره لا يتعدى الخطوط العريضة، إلّا أنّه يوضح أن الصين منخرطة فعلياً بكل هذه الملفات، ولكنّها تعمل على أساس أن ساحة الصراع عالمية، وينبغي إدارة المعركة على هذا الأساس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1163