«إسرائيل» والهروب عبر الطرق المسدودة
ازدادت في الأيام القليلة الماضية وتيرة التصريحات المرتبطة بالعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزّة، ومع أنَّ الحدث احتل على امتداد أكثر من 140 يوماً الموقع الأبرز في عناوين الصحف ونشرات الأخبار، إلا أنَّ رصد الأحاديث الجديدة يعطي إشارات على اقتراب الوصول إلى وقف لإطلاق النار وربما أكثر من ذلك. فما الذي تغيّر؟ وكيف يمكن فهم حكومة نتنياهو؟
كانت العاصمة الفرنسية باريس استضافت منذ أسابيع اجتماعاً ضمّ عناصر من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية إلى جانب ممثلين عن مصر وقطر اللتين تقومان بدور الوساطة للوصول إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية في غزّة ـ التي نشرت بدورها ردّها على «الاتفاق الإطاري» أمام الرأي العام، وهو ما أنتج جملة من ردود الفعل، حتى وصلنا إلى لقاء جديد عقد في باريس أيضاً يوم الجمّعة 23 شباط الجاري، وذلك بعد فشل لقاء سابق في القاهرة. ورغم أن الأنباء حول مجريات المفاوضات لا تزال متضاربة وخاضعة لقواعد الحرب الإعلامية الدائرة، إلا أن مصادر مختلفة تتفق في الأقل أننا قد نشهد نتائج قريبة وهو ما يمكن أن يساعدنا في فهم ما يجري داخل «إسرائيل» في الساعات الأخيرة.
«إسرائيل» في الساعات الأخيرة
يمكن للمراقب العادي أن يلحظ خلال جولة سريعة كثافة كبيرة في تصريحات السياسيين الصهاينة، التي تحاول في معظمها «رفع سقف» التوقعات. فوعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مجدداً «باستعادة المحتجزين في قطاع غزّة» وقال: «سنستعيد الرهائن ونقضي على حماس، ونحقق أهداف الحرب بمزيج من الضغط العسكري والمفاوضات الحازمة». والمثير للانتباه أنَّ نتنياهو لم يقدّم جديداً وذلك برغم المأزق الذي يعانيه جيش الاحتلال، وربما يكون التفصيل الجديد في هذا التصريح هو الإشارة إلى «المفاوضات» كسبيل لـ «تحقيق أهداف الحرب» فالـ «القضاء على حماس» لا يمكن أن يتم عبر التفاوض بل بالقتال! ما يجعل تصريحات نتنياهو تبدو متناقضة أو أنّها تمهّد للرأي العام حول طبيعة التطورات اللاحقة.
أما وزير الخارجية يسرائيل كاتس، فأعلن أيضاً جملة من المواقف التي لا تأخذ الفشل «الإسرائيلي» بعين الاعتبار، إذ قال كاتس إنَّ «أحداً لن يمنعنا من دخول رفح، ولن نوقف القتال لأننا لا نوافق على بقاء حماس في غزّة، ولن تكون السلطة الفلسطينية جزءاً من الحكومة المدنية في قطاع غزة».
ومن جانبه ادعى وزير التراث عميحاي إلياهو أن الرئيس الأميركي جو بايدن «يرتكب خطأً فادحاً لأن قيام الدولة الفلسطينية سيؤدي إلى محرقة»، وأضاف إنَّ: «العالم يمكنه أن يستوعب ملايين اللاجئين لكنه لا يسمح بتحرير غزة من حكم حماس» وفق تعبيره، ثم تمسّك بفكرة الاستيطان إذ عدّ أنَّ «وجود المستوطنات هو الضمان الوحيد للأمن».
وضمن السياق نفسه صادق الكنيست بأغلبية ساحقة على بيان حكومة نتنياهو الذي يرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد.
السباق المحموم في إطلاق التصريحات التي لا تتوقف على مدار الساعة، يؤشر بكل تأكيد إلى أنّ هناك حالة من الضغط الشديد داخل الكيان وتحديداً داخل حكومة نتنياهو، فمن جهة يسعى المسؤولون لإعطاء إشارات متناقضة بغية تعقيد قراءة المشهد ولكن في الوقت نفسه ربما تكون هناك محاولات لتأريض الضغوط الأمريكية عبر رفع السقوف وإظهار المواقف المتعنّتة بل وإصدار تشريعات قادرة حتى على إعاقة الخصوم السياسيين داخل الكيان، لكن ومع كلِّ هذا هناك قِوَى داخل «إسرائيل» تدرك أهمية الوصول إلى تهدئة والتعاطي بإيجابية مع التحركات الأمريكية، إذ إن إصرار «إسرائيل» على عكس ذلك يعني شيئاً واحداً بالنسبة لواشنطن، وهو أن الكيان لم يعد يخدم المصالح الأمريكية مع كلّ ما قد يترتب على ذلك من تبعات.
الهروب عبر الطرق المسدودة!
عدّ القيادي في حركة حماس أسامة حمدان في مؤتمرٍ صحفي عقده في العاصمة اللبنانية أن الاحتلال يعرقل الوصول لاتفاق، وقال إنَّ: «مواقف الاحتلال وردوده على الوسطاء سلبية» وأضاف أنّ: «نتنياهو يُحَمِّل وفده في أي مفاوضات قادمة بأربعة لاءات: لا وقف للعدوان، ولا انسحاب من القطاع، ولا عودة للنازحين إلى الشمال، ولا صفقة تبادل حقيقية»، وهو ما فسّره حمدان بأنه محاولة للهروب من «استحقاقات مرحلة ما بعد العدوان». لا شكّ أن رئيس الوزراء يخشى تلك الاستحقاقات، وبينما يرى البعض أن منبع هذا القلق يرد إلى مخاوف نتنياهو على مستقبله الشخصي! أو مخاوف من سقوط حكومة لم يكن من السهل التوافق حولها، تظل هذه أسباباً ثانوية غير كافية لفهم ما يجري، ومن هنا ينبغي التركيز على حاجة الولايات المتحدة لضبط حجم تورطهم في هذا الصراع عبر الحفاظ على معركة مشتعلة دون أن تتحول إلى تهديد حقيقي يعجز جيش الاحتلال في أن يتعامل معه بشكلٍ منفرد، فإن بقاء الوضع على حاله يعني أن واشنطن يمكن أن تتورط أكثر وأكثر في نزاع لا يمكن حسمه ويمكن أن يمتد أشهراً ومن هذه الزاوية يبدو أن الولايات المتحدة تدرك أن هناك تنازلات ينبغي تقديمها وهو ما يجب فرضُه على «إسرائيل» حتى لو اقتضى ذلك فرض تعديلات في الخريطة السياسية الداخلية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1163