صراع داخل الكونغرس!
يحتدم الصراع الأمريكي داخلياً بين طرفي الانقسام بشكل متواتر ومتصاعد، ليفشل الكونغرس بتمرير مشروعي قانونين مختلفين لتخصيص أموال لأوكرانيا والكيان الصهيوني وتايوان والحدود الجنوبية والهجرة، وبذلك تتصاعد حالة الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي قُبيل الانتخابات، وتزيد حدة التوتر السياسي والاجتماعي، حتى باتت البلاد تعيش حالة تأهب حول كل ما يجري.
يبدو واضحا، أن خطوط الإنقسام الداخلي في الولايات المتحدة لم يعد بالإمكان إحتوائها على أساس الشكل التقليدي الجمهوري/الديموقراطي، فبالرغم من أن الاشتباك بين الحزبين يظل حاضراً ومؤثراً مع كل مفصل جديد، إلا أن ملامح جديدة تظهر وفي بعض الأحيان داخل الحزب الواحد، إذ يبدو مثلاً: أن المواقف من تمويل الحرب في أوكرانيا، أو دعم الكيان الصهيوني في هذه الحرب، أو حتى سياسة الحدود، باتت أكثر تشابكاً، ولم تعد خطوط الفصل واضحة تماماً، وخصوصاً أن السياسات الأمريكية المتبعة في هذه الملفات لم تحرز النتائج المتوقعة منها، ما يجعل الهجوم عليها أسهل من الدفاع عنها.
وتتشكل عناوين الصراع الرئيسية بين طرفي الانقسام في المرحلة الجارية: تمويل أوكرانيا، وهو ما يعتبر من أولويات الديمقراطيين الموجودين في البيت الأبيض، والأغلبية في مجلس الشيوخ، أما التمويل المخصص لحل أزمة الهجرة والحدود الجنوبية، فهو من أولويات الجمهوريون ذوي الأغلبية في مجلس النواب. إضافة لعناوين أخرى تنطوي على تخصيص أموال دعم لتايوان والكيان الصهيوني.
بايدن يناور
عمد الرئيس الأمريكي خلال الفترة الماضية على حثّ الكونغرس لتمرير قانون يمنحه «صلاحيات طارئة» تتيح له التعامل مع أزمة الهجرة والحدود بشكل «أكثر صرامة» وذلك بعد إعلانه وجود اتفاق بين البيت الأبيض ومجلس الشيوخ بذلك، معتبراً «لو كانت لدي هذه الصلاحيات، لاستخدمتها في اليوم ذاته عندما سأوقع على مشروع القانون ذي الشأن ليصبح قانوناً بعد ذلك»، وقال في وقتٍ لاحق: «عملت كل ما في وسعي. أعطوني صلاحيات. كنت أطالب بذلك منذ أول أيامي في المنصب. أعطوني حرس الحدود. وأعطوني الناس الذين يستطيعون وقف ذلك، وسأجعل الأمور تعمل على أفضل وجه».
إلا أن هذه المراوغة لم تنطلِ على الجمهوريين الذين يرون فيها ورقة مساومة، مقابل تمريرهم لمشروع قانون يُموّل أوكرانيا، دون تخصيص أموال واضحة لمسألة الهجرة والحدود. فمنح هذه الصلاحيات لبايدن مقابل تمرير مشروع تمويل أوكرانيا، لا يعني إطلاقاً أن يقدم بايدن على إجراءات جدية ترضي الجمهوريين.
قوانين متفرقة أم واحد وشامل؟
يحاول الديمقراطيون الدفع نحو فصل المسائل المختلف حولها لمشاريع قوانين مختلفة: تمويل أوكرانيا، وتمويل الحدود، وتمويل الكيان الصهيوني، بينما يصرّ الجمهوريون على وضع مسألة تمويل أوكرانيا وتمويل الحدود ضمن مشروع قانون واحد.
ذلك أن تمرير أحد المشاريع المنفصلة في مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية، لا يكفل على الإطلاق الموافقة عليه في مجلس الشيوخ ذو الأغلبية الديمقراطية بينما يتيح للأخيرين المماطلة في إقراره. بينما في حال الاتفاق بين الجمهوريون والديمقراطيون على صيغة مناسبة تشمل المسألتين يمكن تمريرها في مجلس النواب، فسيحظى حينها مشروع القرار بفرصة كبيرة بتجاوز مجلس الشيوخ والموافقة عليه.
مشروع قانون منفصل لتمويل الكيان الصهيوني بمجلس النواب
فشل مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي في تمرير مشروع قانون يقدم مساعدات للكيان الصهيوني، دون تضمنه مساعدات لأوكرانيا، حيث لم يحصل على موافقة أغلبية الثلثين. وكان يتضمن مبلغ 14 مليار دولار كمساعدات للكيان.
في الوقت الذي تلقى «إسرائيل» دعم الجمهوريين والديموقراطيين، إلا أن إدارة البيت الأبيض للأزمة الأخيرة بدأت تخلق تباينات بين السياسيين الأمريكيين، فهناك فريق يرى أن وضع واشنطن في اللحظة الحالية لا يسمح لها بالتورط أكثر في تمويل الكيان، وخصوصاً أن الاستراتيجية الأمريكية لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، سوى أنها أججت الوضع أكثر في الشرق الأوسط، دون قدرة على إدارته في الاتجاه المطلوب. ولكن يبدو أن المسألة الأساسية الآن ترتبط في إصرار الديموقراطيين على ربط هذه المساعدات وغيرها بقبول وتمرير المساعدات إلى أوكرانيا أولاً.
مشروع قانون جامع بمجلس الشيوخ
احتفى الديمقراطيون طيلة أسبوع بطرح الكونغرس مشروع قانون يجمع بين تمويل أوكرانيا وتمويل الحدود وتمويل الكيان الصهيوني وتايوان بقيمة 118 مليار دولار.
وبتفاصيل المشروع: 14.1 مليار دولار للكيان الصهيوني، و60.06 مليار دولار لأوكرانيا، 2.44 مليار دولار للقيادة المركزية لمساعدتها بعملياتها في البحر الأحمر ضد الحوثيين، و20.2 مليار دولار لتمويل أمن الحدود، و«مساعدات» لقطاع غزة وغيرها.
وما أن أعلنت مفردات مشروع القانون حتى خرج الرئيس السابق دونالد ترامب منتقداً إياه، معتبراً أن «الأحمق فقط أو الديمقراطي اليساري الراديكالي هو الذي سيصوت لصالح مشروع القانون الوحشي هذا» واعتبر ترامب أن «هذا المشروع هو هدية عظيمة للديمقراطيين، وأمنية تدعو بالموت للحزب الجمهوري، لا تكونوا أغبياء! نحن بحاجة إلى مشروع قانون منفصل للحدود والهجرة، ولا ينبغي ربطه بالمساعدات الخارجية بأي شكل من الأشكال»، وعبر ترامب بذلك عن موقف الطيف الأكبر من داعمي تيار الانكفاء في البلاد.
وردّ بايدن على ذلك بقوله: إن «الرئيس السابق يحاول يائساً إيقاف مشروع القانون هذا، لأنه غير مهتم بحل مشكلة الحدود». وفي نهاية المطاف فشل مجلس الشيوخ بتمرير مشروع القانون هذا في يوم الأربعاء الماضي نفسه، بعد تصويت الأعضاء الجمهوريين ضده.
استقطاب حاد قبيل الانتخابات
ستجري الانتخابات الأمريكية نهاية العام الجاري، وعليه تتزايد التوترات داخل الولايات المتحدة، وتتجه أنظار المجتمع الدولي إلى ما يجري عموماً.
تعد مسائل تمويل أوكرانيا وتمويل الحدود، قضايا انتخابية في الوقت الراهن، ويتسبب تدفق المهاجرين الكبير في الحدود الجنوبية بردود فعل حادة من قبل الجمهوريين والمحافظين واليمينيين، سواء سياسياً أم اجتماعياً.
سياسياً، يعني تدفق المهاجرين، ودخولهم يعني مزيداً من الناخبين لصالح الديمقراطيين/ الليبراليين على المدى القريب والبعيد، ومن جهة أخرى فإن وقف شلال التمويل الأمريكي لأوكرانيا من جيوب الشعب الأمريكي، يعني مزيداً من الناخبين لصالح الجمهوريين/ المحافظين.
وينعكس هذا الاستقطاب السياسي على مختلف الولايات وإداراتها، وعلى المجتمع الأمريكي ككل، الذي أصبح ضحية تحريض وتجييش متبادل، كأزمة سلطات ولاية تكساس مع السلطات الفدرالية الأمريكية، والتي فتحت الجدل حول مسألة تفكك واستقلال الولايات في حال تفاقم هذا الأمر. واجتماعياً تتزايد أشكال التطرف اليميني بالظهور بشكل أوسع مجدداً داخل البلاد، مع تهديدات متزايدة بحدوث مواجهات مسلحة، إذا ما لم يجرِ تنفيذ مطالبهم وأهدافهم.... وبكل ذلك، يشهد العالم عملياً تفاقماً متسارعاً للأزمة الداخلية الأمريكية، مع ما يعنيه ذلك من احتمال انهيار الإمبراطورية الأمريكية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1161