لماذا تستثمر واشنطن على الساحل الغربي لإفريقيا؟

لماذا تستثمر واشنطن على الساحل الغربي لإفريقيا؟

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية توطيد علاقاتها مع ما تبقى من أنظمة وحكومات حليفة وتابعة لها في القارة الإفريقية، واستمالة الدول القريبة الأخرى نحوها، وذلك وسط توسع جيوسياسي مستمر لصالح الصين وروسيا في القارة السمراء، لتأتي زيارة بلينكن الإفريقية قبل أسبوعين بإطار هذه المحاولات وعلى مختلف الصعد: الاقتصادية والسياسية والأمنية والتجارية.

أضاءت «قاسيون» في عددها الماضي على أحد أهداف زيارة بلينكن الإفريقية لـ 4 دول هي نيجيريا وساحل العاج والرأس الأخضر وأنغولا، والمتعلق بالشق الأمني تحت مسمى «الأمن الإقليمي» والذي يعني تثبيت وتعزيز وجود الأنظمة والحكومات الحليفة أو الموالية أو التابعة للولايات المتحدة، بمواجهة أي مساعٍ انقلابية داخلية، على غرار النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وبمواجهة أي طموحات انقلابية تضر بمصالح واشنطن.
زيارة بلينكن حملت في جعبتها جوانب وعناوين أخرى مضافة إلى مسألة «الأمن الإقليمي» بعضها معلن وأخرى يمكن استنتاجها، لتشكل بمجموعها وتراكبها مع بعضها البعض هدفاً استراتيجياً لواشنطن بتعزيز نفوذها في إفريقيا، لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، والتعامل مع تحديات دولية أخرى أهمها: التجارية، لتتضمن هذه العناوين مشروع ممر لوبيتو للسكك الحديد «The Lobito Corridor» والذي يراه البعض مشروعاً معاكساً لمشروع الحزام والطريق الصيني في إفريقيا، وتأمين طرق التجارة البحرية عبر رأس الرجاء الصالح على الساحل الإفريقي الجنوبي، والمطل على المحيط الذي تسعى واشنطن لتنشيطه بدلاً من طريق البحر الأحمر وقناة السويس، وهو الطريق الأقصر الذي فاقم السلوك الأمريكي في المنطقة من حالة عدم الاستقرار التي يعيشها.

مشروع ممر لوبيتو

يهدف مشروع ممر لوبيتو للسكك الحديد لربط بلدان وسط إفريقيا بالمحيط الأطلسي عبر أنغولا، وخاصة نقاط استخراج المعادن فيها، ما يعني تسهيل نقل الخامات الإفريقية إلى الأسواق العالمية، وتحديداً المعادن، مثل: النحاس والكوبالت، وخصيصاً إلى الغرب، لاستخدامها في الصناعة والإنتاج، ويعد هذا المشروع أحد أضخم الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا منذ عقود.
خلال وجوده في أنغولا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن مسعاه لتقديم مليار دولار لصالح تطوير البنية التحتية، منها 900 مليون لمشاريع الطاقة الشمسية، كما أعلن عن 250 مليون دولار كاستثمار في ممر لوبيتو وتطويره، وقال بلينكن: إن «هذا المشروع يتمتع بفرصة تحوّلية جدية لهذه الأمة ولهذه المنطقة وللعالم».
ويأتي ذلك وسط تطورات ومؤشرات عدة من أنغولا بالابتعاد عن الصينيين لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، علماً أن بكين كانت تعد صديقاً مهماً لها، وقامت باستثمارات ضخمة طوّرت خلالها البنية التحتية لأنغولا خلال عقدين من الزمن.

«الرجاء الصالح» وأنغولا بمقابل البحر الأحمر وقناة السويس

أدت الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر منذ قرابة الشهرين حتى الآن، إلى عرقلة طريق التجارة البحرية هناك بالنسبة للغربيين تحديداً، وفي بعض الأحيان توقفه تماماً، في مقابل زيادة كبيرة في التجارة البحرية القادمة من الشرق وإفريقيا، عبر المحيط الأطلسي مروراً برأس الرجاء الصالح وأنغولا، أو انطلاقاً منهما نحو أوروبا والولايات المتحدة بتكاليف وخسارات كبيرة بالمقارنة مع الطريق الأول.
تشكّل الانقلابات الإفريقية الثلاثة- في النيجر ومالي وبوركينا فاسو- تهديداً جدياً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا، ولمسألة ضبط التجارة في المحيط الأطلسي بالمعنى الاستراتيجي، فتوسع مثل هذه الانقلابات أو تناقل العدوى فيها قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج خطيرة بالنسبة لواشنطن، وعليه فإن الدول الأربع التي زارها بلينكن تعد نقاط ارتكاز أساسية لحماية هذا الطريق البحري، عبر يافطة «الأمن الإقليمي» كذلك كواحدة من الأهداف الاستراتيجية لصالح واشنطن.

مواجهة النفوذ الصيني والروسي

الهدف الاستراتيجي الآخر والأوسع من هذه الزيارة، هو مواجهة المد الصيني والروسي، سواء بالاستثمارات الاقتصادية، أو العلاقات التجارية، أو اتفاقات توريد الأسلحة والاتفاقات الأمنية لكل منهما في القارة الإفريقية.
انقلابات النيجر ومالي وبوركينا فاسو طردت الغربيين من البلاد لصالح موسكو وبكين، ورغم أن الإعلام الغربي يسلّط الضوء على جانب وحيد ومجتزأ فقط، هو الاتفاقات مع مجموعة فاغنر الروسية وتوسع وجودها في إفريقيا، إلا أن الأمور تأخذ مدى أكثر سعةً وعمقاً من ذلك.

الأوروبيون خارج الملعب

بدا واضحاً، أن الخاسر الأكبر في كل ما يجري في طرق التجارة العالمية حالياً، هم الأوروبيون الذين باتوا يتحملون تكلفة أكبر على منتجاتهم القادمة من آسيا، بل تقول الأنباء أن الدول الأوروبية تدرس القيام بعمليات عسكرية في البحر الأحمر، ما يمكن أن يتحول إلى عامل ضغط إضافي على اقتصادات هذه الدول دون أن يحقق نتيجة ملموسة. من جهة أخرى، يبدو السلوك الأمريكي مستهجناً، وخصوصاً عند الحديث عن استثمارات على الساحل الغربي لإفريقيا، ومساعٍ لتأمين طرق التجارة القديمة، ما يعني تكاليف كبيرة، ووقتاً زمنياً طويلاً نسبياً، وهو ما يثير الشكوك حول بعض القضايا.
ما هي الآجال الزمنية التي تتوقع واشنطن أن تبقى فيها الأجواء مضطربة في البحر الأحمر؟
عند الحديث عن استثمارات جديدة وتأمين رأس الرجاء الصالح، فهذا يدل أن القرار الأمريكي يهدف إلى وقف طريق قناة السويس لا عرقلته، لكن من جهة أخرى ربما تكون الخطوة الأمريكية مجرّد مناورة تهدف للضغط الأكبر من خلال الإيحاء بأن قراراً كهذا هو قرار نهائي لا رجعة عنه! بالمحصلة، ستكون واشنطن إما محكومة بفرض ما تريد من شروط سياسية على الدول المتضررة من قطع طريق السويس، وإما ترفع من مستويات حالة عدم الاستقرار في التجارة العالمية، وهو ما سيكون له نتائج خطيرة لن تسلم منها واشنطن نفسها.

1160-27

معلومات إضافية

العدد رقم:
1160
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 13:36