خلافات تظهر بوضوح بين زيلينسكي وقائد جيشه
يبدو أن صدى الهزيمة الأوكرانية/ الغربية في الهجوم المضاد، وردود الفعل الناتجة عنها داخل كييف، تتوسع وتتعمق باطراد، وصولاً لإعلان زيلينسكي عن رغبته بإقالة وطرد قائد القوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، فيما يعكس درجة وحِدة الخلافات والانقسام الجاري بين القيادتين العسكرية والسياسية في أوكرانيا.
بدأت الخلافات بين القيادتين بالظهور وضوحاً بعد انتقادات عديدة تناقلها ووجهها كل من قائد الجيش فاليري زالوجني والرئيس فلاديمير زيلينسكي لبعضهما البعض، حيال فشل الهجوم العسكري الأوكراني المضاد ومستقبل الحرب، حيث حمّل زالوجني مسؤولية الهزيمة للقيادة السياسية الأوكرانية، وأطلق العديد من التصريحات خلال الفترة الماضية تشير إلى صعوبة المعركة، أو استحالة الفوز بها، وانتشر منها تلك التي وصف فيها الحرب الجارية مع روسيا بـ «الطريق المسدود»، وطالب لاحقاً بتجنيد وتعبئه أوسع، ما أدى إلى خلافات بينه وبين القيادة السياسية حول كيفية تنفيذ هذه التعبئة وإجراءاتها.
وكانت تسود خلال الفترة الماضية تحليلات وآراء تشير إلى تطلع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحميل الهزيمة العسكرية إلى الأوكرانيين، وربما التخلص من زيلينسكي بعد تحميله المسؤولية سياسياً وإعلامياً، ليعزز هذا الأمر من موقف زالوجني ويزيد من حدة الخلافات بينه وبين زيلينسكي، خاصة بعد بروز مؤشرات تفيد بتطلع زالوجني لدخول المجال السياسي.
لكن الموقف الأمريكي لا يُظهر حماساً اتجاه زالوجني، وخصوصاً بسبب مواقفه وتصريحاته، فاعتبار الحرب «طريقاً مسدوداً» يعني بشكلٍ أو آخر إعلان الهزيمة بلحظة لا تزال فيها الولايات المتحدة تحاول إنكارها، لما سيكون لذلك من عواقب سياسية، وأمام الرأي العام، لكن المشكلة الثانية الكبيرة أن إقالة قائد ذي شعبية كبيرة في الجيش يمكن أن تلعب دوراً سلبياً في الأحداث اللاحقة، وربّما تقلل حظوظ واشنطن في استثمار الدماء الأوكرانية حتى القطرة الأخيرة.
في الوقت الراهن، يبدو أن واشنطن تدع الخلافات الجارية بين زالوجني وزيلينسكي تمضي بطريقها ونحو حدها الأقصى الذي وصل إلى التهديد بإقالته، وقد تناقلت العديد من الصحف الغربية هذا الأمر، وبعضها مثل «واشنطن بوست» أفاد بأن «الحكومة الأوكرانية قد أبلغت البيت الأبيض أن الرئيس فلاديمير زيلينسكي قد قرر إقالة القائد العسكري الأعلى الجنرال فاليري زالوجني» وأن «مسؤوولي البيت الأبيض لم يبدوا تأييدهم أو اعتراضهم على هذا القرار الذي يحمل مخاطر كبيرة، لكنهم أقرّوا بأنه قرار سيادي للرئيس (زيلينسكي)».
لا يبدو الموقف الأمريكي واضحاً بعد بما يكفي، وخصوصاً أن ما تنقله وسائل الإعلام في هذه اللحظة هو بالضرورة ضغط باتجاهات محددة وجزء من المعركة، فإن كان إعلان الهزيمة يلوح في الأفق حقاً، فمن مصلحة واشنطن أن تنسحب بهدوء وتحاول أن تدفع أوكرانيا للواجهة، لكن ما يجري يبدو أنه أكثر تعقيداً من ذلك، إذ إن الحرب التي جرى توريط كييف فيها كانت تشكّل عامل ضغط كبير على البلاد ووحدتها، وعلى تماسك جهاز الدولة، وكان من الواضح أن الجيش الأوكراني ظلّ طوال الفترة الماضية قادراً على الحفاظ على نفسه متماسكاً، وهو ما كان نتيجة إيجابية بالنسبة لواشنطن، كون أن هذا التماسك سمح باستمرار الاشتباك لفترة أطول. لكن ضباط الجيش وقادته الذين يخوضون المعركة في الميدان باتوا يدركون استحالة تحقيق تلك الأهداف التي تضعها القيادة السياسية الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة، ما كان سبباً كافياً لخلق تناقض واضح.
ربما يكون القلق الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة أن تزداد شعبية أفكار زالوجني بين صفوف الأوكرانيين، ويتحوّل ذلك إلى عامل معيق في إدامة الاشتباك، ومن هذه الزاوية تحديداً، ربما يكون من مصلحة واشنطن أن تبقي مستوى الخلاف بين زيلنسكي وقائد الجيش في حدود معقولة، وألا يتحول إلى نقطة استقطاب في الشارع. إذ يمكن لخلاف من هذا النوع أن يحوّل زالوجني إلى ممثل لتيار يبدو أنه يتوسع داخل أوكرانيا، وربما تحديداً داخل الجيش.
في تصريحات لوزير الدفاع البريطاني غرانت شابس قال فيها: إن العالم لا يستطيع أن يتحمّل انتصار روسيا في الحرب مع أوكرانيا، ورغم محاولته لصياغة هذه الفكرة بشكلٍ مضبوط، إلا أن جوهر ما يقلق شابس كان واضحاً، ويمكننا أن نقول: إن الوزير البريطاني يدرك كغيره من السياسيين الغربيين، أن «العالم الغربي» لن يتحمل انتصار روسيا، وتحديداً النتائج السياسية لذلك، فالحرب هذه كانت مفصلاً ونقطة تحوّل، وانتهاؤها بانتصار روسيا يعني أن الانتقال تم بالفعل ولم يبق سوى الاعتراف به على الملأ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160