قضايا الشرق ... «القرن الأمريكي» ظاهرة تاريخية
تظهر أمامنا اليوم جملة من الحقائق التي لم يعد بالإمكان دحضها، فرغم أن الأرقام تكذب في أحيانٍ كثيرة إلا أن المؤسسات الغربية تقدّم اليوم مجموعة من البيانات التي تُظهرُ إلى حدٍ بعيد واقعاً لم يعد بالإمكان إخفاؤه، فالغرب ورغم إصراره على أنّه «سيّد العالم» بات مضطراً للاعتراف بأنه تخلّف عن الركب في كثير من الميادين، ومع ذلك تظل كل تلك المعطيات بلا معنى بالنسبة لكثيرين، من ضمنهم عدد من الأنظمة والقوى السياسية في منطقتنا. ولم تتحول كل تلك المعطيات إلى ركن أساسي في تحليل الواقع العاصف الذي نعيشه.
إحدى هذه الحقائق التي أقرها صندوق النقد الدولي تقول إنّ اقتصادات مجموعة السبع لن تنجح في تحقيق نمو أكبر من 1.5% في أحسن الأحوال خلال العام الحالي، في الوقت الذي ستتمكن فيه الصين من تحقيق نموٍ يصل إلى 4.6%، وإذا أخذنا أرقام 2023 مؤشراً ينبغي لنا الانتباه إلى أن اقتصاد المكسيك مثلاً استطاع أن ينمو بنسبة 3.3%، ونجحت الهند في تحقيق نمو بنسبة 7.6% وروسيا نمت 5.5%. تقدّم لنا أرقام كهذه جزءاً من المشهد العالمي وتثبّت حقيقة أن «دول الجنوب» تقود منذ سنوات النمو العالمي، وهذا ما يفسر تنامي دورها السياسي على المستوى العالمي ويفسر بالضرورة تراجع الوزن الغربي في رسم السياسات العالمية.
يمكننا القول إذا ما أخذنا نظرة أشمل إلى ميادين أخرى، إن الأوزان الاقتصادية هذه بدأت تعبّر عن نفسها بالأوزان العسكرية، فلم يعد تقدّم روسيا - في هذا المجال مثلاً - موضع شك، وخصوصاً أن الصواريخ فرط الصوتية أصبحت جزءاً من ترسانة جيشها ولا يوجد مكافئ غربي لهذا السلاح حتى الآن، ما أعطى روسيا موقعاً متقدماً، وربما تكون التقارير التي تقر بامتلاك الصين وعدد من دول الجنوب أسلحة متطورة مشابهة خير دليل على حجم التغيرات العالمية.
تبدو المشكلة اليوم بشكلٍ واضح في منطقتنا، إذ تعترف معظم القوى بهذه الأرقام لكنها لا تستطيع تخيل أن كل ذلك يعني بالضرورة تراجعاً في دور الولايات المتحدة والغرب في محيطنا، وتخطئ مجدداً حين تسهو عن كون الكيان الصهيوني امتداداً لهم، وأن أزمته في جوهرها هي أزمتهم ذاتها!
نشأت أجيال في العقود الماضية تقر بأننا نعيش في «القرن الأمريكي» وسلّمت بأن الولايات المتحدة تقود العالم، وغاب عنها أن المجتمع - كلَّ مجتمع - لا يقف، بل يتطور. وأنَّ «القرن الأمريكي» ما هو إلا ظاهرة تاريخية نشأت في ظروف محددة ويمكن أن تزول في ظروفٍ أخرى. وهذا بالتحديد ما ينبغي أن يظل حاضراً في الأذهان وأن يتحوّل إلى حقيقة، مثله مثل أرقام النمو!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160