الولايات المتحدة… أزمة جديدة في الداخل المُضطرب!

الولايات المتحدة… أزمة جديدة في الداخل المُضطرب!

ظلّ الانقسام الأمريكي حاضراً طوال عقدٍ من الزمن على الأقل، لكنه وفي الشهور القليلة الماضية قُدّم للرأي العام العالمي والمحلي بوصفه مجرد صراع انتخابي، واتهامات متبادلة بين الرئيسين السابق والحالي! في حين أن كل ذلك يعدُّ جزءاً بسيطاً من صورة معقدة ومتداخلة، وثبتت الأحداث التي تشهدها ولاية تكساس مؤخراً هذه الحقيقة.

كان الدور الذي تلعبه واشنطن على المستوى العالمي دائماً مرهوناً- كغيرها من الدول- بوضع داخلي مستقر، ويبدو جليّاً عند مراقبة سلوك واشنطن خارج حدودها أنه ارتبط بآجالٍ زمنيةٍ، أي أن سياسيي الولايات المتحدة حددوا «مدة صلاحية» لتنفيذ أهدافهم في كثير من الملفات، وإن كان تفسير ذلك يرتبط بالضغط الكبير الذي يفرضه التدخل الأمريكي في دول أخرى على نفقاتها ومخازن أسلحتها، فإنه يرتبط أيضاً بكافة جوانب الأزمة الأمريكية التي تتحول مع كل يومٍ جديد إلى عامل لا يمكن إهماله في الحسابات.

أثر ذلك على واضعي السياسات في واشنطن، ودفعهم لتحقيق جملة من الأهداف على مستوى العالم بشكل استباقي، إما لتأخير ظهور أزمتهم الداخلية، أو لخلق واقع يعقد الأمور أمام خصومهم، وبذلك يعيق قدرتهم على ملء الفراغ الناشئ. ومع ذلك ظهر منذ أحداث الكابيتول في 2021 أن الأوضاع الداخلية تتطور أسرع مما يجب بالنسبة لهم، وأن الوقت ينفد. ما يمكن أن يكون له تأثيرات هائلة ومتسارعة في قدرة الولايات المتحدة على إعاقة التطورات الدولية الجارية.

ماذا جرى في تكساس؟

تبنى جو بايدن منذ وصل إلى الحكم، سياسة مختلفة في إدارة ملف الهجرة، فسياسة الإدارة الجديدة التي جرى تصويرها بأنها «أقل عنصرية في التعامل مع المهاجرين والأقليات العرقية» حمّلت الولايات الجنوبية- وتحديداً تلك على الحدود مع المكسيك- أعباء كبيرة في التعامل مع الوافدين غير الشرعيين، وتسبب التساهل الذي اتُّهمت به إدارة بايدن في كارثة جدّية في الجنوب، إذ شهدت الحدود مع المكسيك البالغ طولها 3100 كم موجات مستمرة من المهاجرين بلغت في الأشهر الأخيرة حوالي 10 آلاف يومياً، وقُدّرت الأعداد الإجمالية حتى شهر أيلول من العام الماضي بقرابة 2.5 مليونين ونصف مهاجر منهم 1.4 مليون في تكساس وحدها.

هذه المعطيات توضح حجم الضغط الملقى على عاتق تلك الولايات، وهو ما دفع حاكم تكساس غريغ أبوت لاعتماد إجراءات خاصة، مثل: مَدّ الأسلاك الشائكة على طول الحدود بعد أن توجّه للمحكمة في وقت سابق. لكن المحكمة الفيدرالية العليا وقفت إلى جانب بايدن، وأصدرت في 22 من شهر كانون الثاني الجاري قراراً بأغلبية 5 أصوات مقابل 4 يقضي بإلغاء الأمر الصادر عن محكمة الاستئناف، وسمحت لوكلاء حرس الحدود الفدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة في تحدٍ لقرارات حاكم الولاية.

يؤكد الوضع على الأرض، أن المسألة ليست مجرّد معركة قضائية تخوضها إحدى الولايات ضد الحكومة الفدرالية، إذ أصدر أبوت توجيهات للحرس الوطني في الولاية بمنع إزالة العوائق الحدودية، وأمرهم بـ «الثَّبات»، ما يعيق العناصر الفدرالية التي تنفذ أوامر السلطة المركزية. ثم أخذت الأحداث بعداً جديداً لاحقاً، إذ أصدرت 25 ولايةً بياناً مشتركاً أظهرت فيه مساندتها لقرارات تكساس، واعتبر البيان أن «إدارة بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة» ولذلك رأى الحكام الموقعون أن للولاية «الحق في استخدام كل أداةٍ لتأمين الحدود». وأعلنت بعض الولايات عن استعدادها لإرسال قوات من حرسها الوطني لمساندة موقف أبوت بوجه السلطة الفدرالية، وأعلن حاكم ولاية أوكلاهوما، أنه تحدث مع القائد العام للحرس الوطني في الولاية، وأن الاتصالات قائمة مع حاكم تكساس لتقديم الدعم اللازم. ما يعني أن مواجهة مسلحة باتت أمراً محتملاً.

خلاصات أولية

على الرغم أن كل الموقعين على البيان المذكور هم من الجمهوريين، ويدعم ترامب توجهاتهم هذه، إلا أن المسألة حاضرة بوضوح بغض النظر عن صراعهم السياسي مع الديمقراطيين، إذ تعبّر الأحداث في جوهرها عن تبلور مصالح تتناقض مع المركز الفدرالي في كثير من الولايات، ولا يخفى على أحد أن غياب تناقضٍ حادٍ من هذا النمط كان الأساس في قيام الولايات المتحدة.

ودفعت الأحداث الحالية كثيراً من السياسيين الأمريكيين لاستذكار استقلال ولاية ساوث كارولاينا وتكوينها مع ست ولايات أخرى عام 1861 الولايات الأمريكية الكونفدرالية، وما نتج عن ذلك من حربٍ أهليةٍ طاحنةٍ. وهو ما يشير إلى الحجم الحقيقي للتناقض الموجود الذي تعتبر «قوانين الهجرة» أحد جوانبه الكثيرة. كل ذلك يعيد الأضواء إلى الداخل الأمريكي، بغية مراقبة هذه التطورات التي لا تزال إمكانية احتوائها قائمةً عبر الوصول إلى تفاهمات محددة، لكنها ستبقى مؤشراً جديداً على طبيعة التطورات التالية هناك، وأثر ذلك على دور واشنطن الخارجي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 13:51