قضايا الشرق ... نحن أصحاب القضية
وُضعت قضية فلسطين- منذ احتلالها والإعلان عن قيام «دولة إسرائيل» - أمامنا كمسألة ينبغي حلّها، وعند إعادة قراءة ذلك الجزء المفصلي من تاريخنا، كان واضحاً أن شعوراً عارماً بالتهديد يحضر في أذهان كل شعوب المنطقة وتحديداً في دول الطوق، وربما كانت حرب فلسطين عام 1948 بالنسبة لكل من تطوع من أبناء المنطقة للقتال فيها تعبيراً عن هذا الشعور، بل وشكلاً من أشكال الدفاع عن الذات.
تحوّلت القضية في العقود التالية تدريجياً إلى «قضية فلسطينية» بعد أن كانت قضية شعوب المنطقة كافة، وإن كان البعض يرى في هذا التوصيف كثيراً من المبالغة، منطلقين من كون رفض الاحتلال ظلّ حاضراً في الأذهان، إلا أن المقصود هو أن الخطاب الرسمي للأنظمة بدأ يشير إلى نشوء الكيان الصهيوني بوصفه «قضية الفلسطينيين» وروّج إلى أن واجبنا هو «التعاطف» مع أشقائنا هناك، وفي بعض الأحيان تقديم العون لهم في «معركتهم» بدلاً من وضع الكيان الصهيوني في موقعه الطبيعي، كتهديد وجودي لكل المنطقة. وينبغي الاعتراف أن قناعات كهذه باتت حاضرة في أذهان أجيال كاملة.
من المستهجن أن تأريخ القضية الفلسطينية يبدأ بالنسبة لكثيرين من وعد بلفور، الذي صوّر كمجرّد تبنٍ بريطاني للفكرة الصهيونية بإقامة وطنٍ لليهود على أرضنا، ليبدو منقطعاً عن السياق التاريخي، وغير قادر على تقديم فهمٍ عميق لمصلحة الدولة الاستعمارية تماماً!
ربما تكون العودة في التاريخ قليلاً إلى الوراء كفيلة بكشف تلك المصلحة؛ فمع دخول جيوش محمد علي إلى الشام عام 1831 ظهرت منطقتنا بوصفها كياناً مكتمل العناصر وقادراً على تغيير التاريخ، عبر طاقاته الكامنة التي يمكن استخدامها وقوداً لمشروعٍ تنمويٍّ حقيقيٍّ، وأساساً لبناء دولةٍ حديثةٍ.
وفي هذه اللحظة بالذات، بدت فكرة توطين اليهود في فلسطين بمثابة «حلٍّ» بالنسبة للدول الأوروبية التي كانت ترى أن مشروعها الاستعماري يعتمد بشكل أساسي على ثروات المنطقة، والسيطرة على طرق التجارة الأساسية فيها، وضرب أي محاولةٍ لاستثمار الثروات من قبل أصحابها، ومن هنا كان يمكن لمستوطنات غريبة مدعومة من الاستعمار أن تشكل حائط صد يمنع أي اتصال بين مصر والشام، ويعيق علاقاتٍ مماثلةً بالجزيرة العربية، وكانت فلسطين جسراً أساسياً لهذا الاتصال، ونقطةً مثاليةً لمشروع تقطيع الأوصال.
كان عزل القضية الفلسطينية عن أصحابها الحقيقيين، ووضعهم في موقع «المراقبين المتعاطفين»، خطوة ضرورية بالنسبة للاستعمار والصهيونية، ونحن اليوم أمام فرصة حقيقية لتجاوز ذلك، وعزل كل من يسَّر تغريب هذه القضية في النظام الرسمي العربي، فكنا جميعاً المستهدفين، ونحن إذاً وبالضرورة أصحاب القضية، ولا يمكن الحديث عن أي مشروع جدّي لبناء دول المنطقة دون إنهاء المشروع الصهيوني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1159