الجزائر ومالي... توترات مفتعلة
وقعت الحكومة المالية وجهات معارضة لها في شمال البلاد، يسمون بالأزواديين أو الطوارق، عام 2015 اتفاق «السلم والمصالحة» بعد جهود وساطة قامت بها الجزائر لتأمين استقرار البلاد، ومنها استقرار حدودها الجنوبية الغربية، ولمدة 8 سنوات ضمن هذا الاتفاق حالة من الهدوء بين الأطراف المختلفة، دون أن تتطور هذه المساعي لتؤمن حلاً جذرياً للأزمة، وذلك لأسباب وتناقضات عديدة، منها: التدخلات والارتباطات الخارجية، التي كان أبرزها استمرار الوجود العسكري الاستعماري الفرنسي، ومعه التدخلات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة.
مع انقلاب عام 2020 وتسلم الجيش المالي لسلطة البلاد وإنشاء المجلس العسكري، طالب الأخير بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد والحد من التدخلات الخارجية، وشمل ذلك بعثة الأمم المتحدة العسكرية في مالي «مينوسما»، وما إن بدأت بتسليم معسكراتها حتى عادت الخلافات للظهور بين الشمال والجنوب حول السيطرة على هذه المعسكرات، ومن هذه النقطة تطور الأمر سريعاً ليتحول إلى صراع مسلح.
التحركات الجزائرية
قُبيل خروج قوات «مينوسما»، دعت الجزائر الأطراف المالية كافة لتجديد التزامها باتفاق السلم والمصالحة، مؤكدة: أن هذا الاتفاق يعد الإطار الأنسب لحل الخلافات القائمة، حيث يتضمن انخراط القوى المسلحة في الشمال مع الجيش المالي، وتوفير أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي في إطار الدولة الواحدة.
ومع عودة الصراع المسلح، والتخوف من توسع رقعته وشدته، عمدت الجزائر انطلاقاً من مصلحتها في ضمان استقرار حدودها، واستناداً إلى اتفاق عام 2015 إلى استضافة وعقد اجتماعات مع القوى المالية المعارضة في الشمال، الأمر الذي استقبله المجلس العسكري المالي بوصفه تدخلاً بالشؤون الداخلية للبلاد، واستفزازاً في ظل صراعه المسلح الجاري مع هذه القوى.
رد الفعل المالي
استدعت مالي السفير الجزائري لديها للاحتجاج على ما وصفته بـ «الممارسات غير الودية من بلاده وتدخلها في الشؤون الداخلية لمالي» محذرة في بيان وزارة خارجيتها من أن «الاجتماعات المتكررة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات، ودون أدنى علم أو تدخل من سلطات مالي من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة على اتفاق 2015 والتي اختارت المعسكر الإرهابي، ستفسد العلاقات الجيدة».
بدورها قامت وزارة الخارجية الجزائرية باستدعاء سفير مالي لديها بشأن الأوضاع والتطورات الأخيرة، وذكرت ببيان لها، أن الوزير أحمد عطاف «ذَكّر السفير المالي بقوة بأن المساهمات التاريخية كافة للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على ثلاثة مبادئ أساسية لم تحد ولن تحيد عنها بلادنا [...] المبدأ الأول: يتمثل في تمسك الجزائر الراسخ بسيادة جمهورية مالي، وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها».
وفي نهاية المطاف أعلن المجلس العسكري في مالي يوم الخميس وقف عمله باتفاق «السلم والمصالحة» رسمياً، وباليوم نفسه قرر تشكيل لجنة تنظيم لحوار سلام وطني داخلي مع القوى الموجودة في الشمال.
مشكلة معقدة
سعى المجلس العسكري منذ انقلابه في عام 2020 للمضي نحو إخراج القوى الأجنبية كافة من البلاد، ومنع التدخلات الخارجية فيها من منطلق وطني، الأمر الذي ولّد ردود أفعال إيجابية عموماً، إلا أن خصوصية الشمال تطلبت فيما مضى كما تتطلب الآن وجود دور ووساطة ما من الدول الإقليمية المجاورة كالجزائر، بيد أن المجلس العسكري لا يعطي إشارات إيجابية تجاه قوى الشمال، وخصوصاً مع وجود نزعات انفصالية لديها، وارتباطات مع قوى خارجية، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يبدو أن المجلس العسكري يحاول الدفع نحو فرز القوى الانفصالية عن المعارضة في الشمال عبر لجنة تنظيم حوار السلام الوطني التي أعلن عنها، إلا أنه لا يمكن إغفال وزن تلك القوى في الشمال والقفز عنها بهذا الشكل.
أطراف ثالثة
كان من الواضح وجود أطراف ثالثة سعت للإضرار بالعلاقات الجزائرية المالية، فقد حدث مراراً تداول بيانات وتصريحات جزائرية مزيفة تسبب استفزازاً لمالي، كان منها في 4 تشرين الأول حينما نفت الخارجية الجزائرية أي علاقة لها بالبيان الذي نسب إليها، وتم تداوله حول مالي، جاء فيه «تكذب الوزارة بشكل رسمي أي علاقة للجزائر بالبيان وبما جاء فيه من موقف مزعوم» وفي 20 من الشهر الجاري نفت وزارة الخارجية الجزائرية ببيان لها أيضاً ادعاءات «لا أساس لها من الصحة» تفيد أن الجزائر قامت بطرح مبادرة حول مالي خلال قمة بلدان عدم الانحياز في كامبالا.
وبذلك تتمكّن هذه الأطراف الخارجية الآن من نسف اتفاق السلم والمصالحة عبر هذه التحركات، فيما يبدو أن مصلحتها تهدف للتأثير على استقرار البلاد والمنطقة عموماً، وليس من الصعب تتبع المستفيد من هذه التطورات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1159