البرلمان الكندي يكرّم نازياً قديماً
يعيش النظام السياسي في كندا أقسى لحظاته، وذلك بعد افتضاح استضافة عسكري نازي وتكريمه داخل البرلمان، القصة ورغم أنها تبدو لا تصدق بالنسبة للبعض، إلا أنها حدثت بالفعل، وتبدو الأزمة أصعب من أن يتم احتواؤها، أو التعتيم عليها، بعد أن كشفت أمام الرأي العام العالمي.
استقبلت كندا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ونظم البرلمان حدثاً خاصاً مرافقاً لهذه الزيارة، لم يكن أحدٌ قادراً على توقع سلسلة التطورات التالية، إذ تعتبر هذه الزيارة والأنشطة المرافقة لها، جزءاً من انخراط النظام السياسي الكندي بشكل مباشر في الجهود الغربية لدعم أوكرانيا مالياً وسياسياً وعسكرياً، بالإضافة إلى انضمامها إلى حزم العقوبات التي فرضت على روسيا.
التكريم داخل البرلمان
في مبنى البرلمان رحّب رئيس مجلس العموم الكندي، أنتوني روتا، بلياروسلاف هونكا، وقدّمه للحضور بوصفه بطل أوكراني وكندي، خاطب روتا أعضاء البرلمان، والرئيس الأوكراني، وضيوف آخرين منهم السفيرة الألمانية في كندا، وقال: «لدينا في القاعة محارب قديم أوكراني- كندي، حارب في الحرب العالمية الثانية، وقاتل الروس في سبيل استقلال أوكرانيا، ويواصل دعم القوات الأوكرانية لليوم، حتى وهو في عمر 88» ليقابل بعدها هونكا، بتصفيق حار من قبل الحضور. لكن وبعد وقتٍ قصير نشر عالم سياسة في جامعة أوتاوا مجموعة من الحقائق التاريخية حول هونكا، إذ أكد العالم إيفان كاتشانوفسكي: أن الضيف ما هو إلى مقاتل في فرقة «غاليتشينا» التابعة لقوات «إس إس» النازية، التي قاتل ضمن صفوفها قوميون أوكرانيون وارتكبوا جرائم حرب.
الحقائق التي كشفها كاتشانوفسكي انتشرت كالنار في الهشيم، وبدأت وسائل الإعلام بنقلها حتى تحوّلت القصة إلى فضيحة كبرى، سارع على إثرها مكتب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى نفي مسؤوليته في دعوة المقاتل النازي، وحمّل ترودو رئيس مجلس العموم الكندي المسؤولية الكاملة عن الحادثة، ما دفع الأخير للاعتذار ثم تقديم الاستقالة لاحقاً، ومع ذلك استمرت الضغوط على رئيس الوزراء، خصوصاً أن كل المعطيات تشير إلى أنه كان يعلم بالتفصيل عن قائمة الضيوف، ومع ذلك لم ير مشكلة في أن يكرم البرلمان الكندي مجرم حرب نازياً، ما وضع بلاده في موقع محرج لا أمام روسيا فحسب، بل أمام العالم.
ورغم أن رئيس الوزراء وعد بتقديم اعتذاره مع إصراره أنه لا يتحمل المسؤولية، يبدو الموقف الكندي ضعيفاً، إذ قال أنتوني روتا، في اعتذاره: «علمت لاحقاً بمعلومات إضافية جعلتني أندم على القرار، أود أولاً أن أقدم اعتذاري للجاليات اليهودية في كندا وفي جميع أنحاء العالم، لأنني أتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعالي» لتبدو المشكلة بوصفها «مشكلة مرتبطة باليهود دون غيرهم» لا بوصفها إساءة للعالم، واستخفاف بجهود كل من ساهم في محاربة النازية والقضاء عليها، فرد الفعل الأولي لترودو كان اعتبار كل ذلك جزء من حملة تضليل روسية، قبل أن يعترف لاحقاً بصحة ذلك، وهو ما يؤكد المخاوف المتزايدة من العمل الغربي الحثيث لإعادة تمجيد النازية، مستغلين بذلك الحرب الدائرة في أوكرانيا. فالتعليق الأولي الذي قدمته وزارة الخارجية الأمريكية كان لا يتناسب على الإطلاق مع حجم الفضيحة، إذ أكد المتحدث باسم الخارجية ماثيو ميلر: إنه ليس لديه أي معلومات عن فضيحة تكريم النازي الأوكراني العجوز هونكا في البرلمان الكندي، كونه كان منشغلا في ذلك الوقت بفعاليات الأمم المتحدة، ولم يختلف الموقف الألماني كثيراً عن ذلك، إذ أفاد ممثل وزارة الخارجية الألمانية، سيباستيان فيشر، أن السفيرة الألمانية لدى كندا سابين سبارواسر، لم تكن تعلم أن الأوكراني كان من عناصر قوات الأمن الخاصة النازية، و«ظنّت أنه قاتل مع الروس والجيش السوفييتي».
الفضيحة لن تقف ضمن هذه الحدود، ولن تنحصر في كندا، بل ربما تفتح المجال واسعاً أمام خطوات جديدة في مكافحة تمجيد النازية، وعدم تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية، الذي يتم منذ زمن في عملية ممنهجة، وربما تعيد فتح قضية يجري التعتيم عليها، ترتبط بالتسهيلات الغربية التي حظي بها النازيون بعد انتهاء الحرب، وهو ما أكده وزير الهجرة واللاجئين الكندي، مارك ميلر، إذ قال: إن «تاريخ بلاده حافل بصفحات سوداء بينها إتاحة هجرة النازيين إلى كندا».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1142