مشروع يربط الهند بأوروبا عبر الخليج.. أم مناورة أمريكية جديدة؟

مشروع يربط الهند بأوروبا عبر الخليج.. أم مناورة أمريكية جديدة؟

تحوّل الإعلان عن مذكرة تفاهم أولية بغرض إنشاء ممر اقتصادي جديد إلى واحد من أبرز المسائل التي رافقت انعقاد قمة مجموعة العشرين مؤخراً، وتحديداً بعد تعدد تقارير حاولت تقديم الممر بوصفه منافس لمشروع الحزام والطريق الصيني، بل تسوقه بوصفه محاولة أمريكية لسحب الهند إلى المعسكر الغربي مستغلةً المسائل الخلافية بين الصين والهند.

الضخ الإعلامي الكبير حول الموضوع لعب دوراً في تضخيم المسألة، وتصوير المشروع كما لو أنه منجز، في الوقت الذي تبدو فيه الأمور في الواقع أكثر تعقيداً من ذلك، هذا إذا سلمّنا بأن مشروعاً كهذا يمكن فعلاً أن يكون منافساً لمشروع الحزام والطريق في حال إنجازه حسب المخطط.

بعض المعلومات المتاحة حتى اللحظة

في أثناء قمة المجموعة التي عقدت في شهر أيلول الجاري في نيودلهي، وقّعت الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) الذي يهدف حسب الإعلان إلى زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة، وتحسين الربط الرقمي بين الدول المشاركة في إنشائه، أي أن يكون طريقاً حيوياً استراتيجياً يتألف من ممرين منفصلين، ينطلق الأول من ميناء مومباي الهندي، وصولاً إلى ميناء دبي في الإمارات، ثم تربط شبكة من السكك الحديدية بين هذا الميناء الأخير ومنطقة الغويفات الإماراتية، ليمتد الممر الثاني إلى السعودية ،ومنها إلى جنوب الأردن، وصولاً إلى «إسرائيل» وتحديداً مدينة حيفا المحتلة على البحر المتوسط، ليتجه بعدها الطريق البحري إلى ميناء بيرايوس اليوناني، الذي يمكن نقل البضائع بعده عبر شبكة طرق برية وجوية إلى باقي أوروبا.

مشروع على الورق!

الحديث المعلن في قمة العشرين أشار بشكل رسمي، إلى أن الدول الموقعة على هذه الوثيقة ستكون ملزمة بحسب هذا الاتفاق أن تقدّم خطة عمل خلال الشهرين القادمين، تعرض فيها تفاصيل وآجال تنفيذ مشروع كهذا، ويفترض أن تشمل أيضاً دراسة تفصيلية للعقبات المحتملة، أي أن ما جرى إعلانه والتوافق حوله حتى اللحظة لا يحمل أي التزام ملموس بعد، ولا تتعهد أي من الدول الموقعة بموجبه بأي التزامات مالية، أو استثمارات مستقبلية، على الأقل لم يعلن عن شيء في هذا الخصوص. وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار «IMEC» منافساً للحزام والطريق الذي أعلن عنه منذ عقد من الزمن، وأصبح أمراً واقعاً، وترتبط فيه مجموعة من الدول والمشاريع. إذ تقول الأرقام الرسمية: إن «الحزام والطريق»- الرؤية المعاصرة لمشروع طريق الحرير التاريخي- وبالرغم من أنه لا يزال قيد التطوير، يرتبط باتفاقيات بالفعل مع 152 دولة، و32 منظمة دولية، نتج عنها أكثر من 200 وثيقة رسمية بين الصين وهذه الأطراف، ونفّذ بموجبه 3 آلاف مشروع تنموي في عدة بلدان، ولعب هذا الطريق دوراً في تحويل الصين إلى الشريك أساسي لأكثر من 25 دولة، وحققت مبادرة الحزام والطريق نتائج اقتصادية ملموسة، وخلقت وظائف عمل، ورفعت بحسب البنك الدولي الناتج الإجمالي المحلي للدول منخفضة الدخل بنسبة وصلت إلى 3,4%.
أي، إن الحديث عن طريق جديد لا يزال في مرحلة الدراسة، ولا يمكن اعتباره منافساً، وخصوصاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التقدم الذي حققه المشروع الصيني حتى اللحظة، والعقبات التي يمكن أن تواجه المشروع الغربي الجديد في حال البدء بتنفيذه، وخصوصاً، أن العقلية الأمريكية ستكون عاملاً معيقاً في تحويل هذه الخطة إلى واقع!

استثمار في الخلافات بدلاً من حلّها!

المشروع أثار الكثير من التحفظات منذ سنوات حتى قبل إعلانه بشكلٍ رسميٍ، وتعتبر واحدة من أكبر مشاكله أن «إسرائيل» ستكون محطة أساسية في هذا المشروع، ما يعني أن إنجازه يتطلب حل عدد كبير من المشاكل الجوهرية بين الكيان ودول الجوار، هذا بالإضافة إلى أن عدم حل القضية الفلسطينية سيكون تحدياً أساسياً للاستقرار داخل الكيان، وبالتالي عاملاً سلبياً في أي مشروع دولي استراتيجي. وترى واشنطن أن مشروعاً كهذا يمكن أن يكون بمثابة أداة للضغط على عدد من الدول في المنطقة، مما يمكن أن يخلق الكثير من العداوات حتى قبل بدء تنفيذه، مثل: أن تستثمر واشنطن بالخلافات الموجودة بين الصين والهند لدفع الأخيرة لتلعب دوراً خطراً في المنطقة، أو أن تستثني الولايات المتحدة تركيا بشكل مقصود من هذا المشروع، بالرغم من موقعها الاستراتيجي. في الوقت الذي كانت بكين تعمل وفقاً لآلية مختلفة، تقوم على التكامل بين احتياجات البلدان الممتدة في المنطقة، وحوّلت نشاطها الدبلوماسي والسياسي فيها إلى وضع حد للخلافات القائمة بدلاً من تغذيتها.
المستقبل للتكامل ولا مجال للإقصاء!
تكمن أهمية «الحزام والطريق» لا بوصفه جسراً يربط الشرق بالغرب فحسب، بل بوصفه شبكة نقل متطورة تربط كل الدول الممتدة من أقصى شرق آسيا إلى غربها، وتربط هذه الكتلة مع إفريقيا، ولا يحتاج المرء للكثير حتى يدرك الإمكانيات الكامنة في هذه المنطقة، في قطاعات التجارة البينية والتنمية، وأنها قادرة على أن تتحول إلى سوق كبيرة جداً للاستهلاك، فضلاً عن مزاياها الأخرى، التي يعتبر أبرزها: تشابكها جغرافياً. لكن ما ينبغي الانتباه له، أن «الحزام والطريق» يعتبر المشروع الأبرز في المنطقة، لكنه ليس الوحيد، فدول الشرق تسعى بشكلٍ حثيث لإعادة بناء شبكة الطرق البرية التي جرى تدميرها وتهميشها على حساب الطرق البحرية المهيمن عليها غربياً، فنشهد اليوم إعلانات عن جملة من المشاريع في هذا الخصوص، والتي تتشابك فيها مصالح هذه الدول بشكلٍ كبير، ليكون من غير الوارد أن يجري تقديم أي مشروع بوصفه مشروعاً منعزلاً، فهناك مشاريع حيوية، مثل: «شمال/ جنوب» بين روسيا والهند، وهناك مشروع جديد أعلنت عنه تركيا يهدف لربطها بمنطقة الخليج عبر العراق، تحت اسم «طريق التنمية» الذي يمكن أن يكون بديلاً حقيقياً عن المشروع الأمريكي، وغيرها الكثير من المشاريع التي يجري تقديمها كأداة لتعميق التعاون بدلاً من التوتير.

جوهر الفكرة التي يقوم عليها المشروع الأمريكي، هي كونه تعبيراً عن المصالح الغربية، ومحاولة جديدة لزج المنطقة بحالة من المنافسة، ويستثمر بشكل أساسي في الخلافات بين الهند والصين، التي ستثبت الأيام أن تجاوزها ممكن، وأن العمل على إيجاد حل لها سيكون أكثر فائدة للبشرية من تأجيج الخلافات بين بلدين نوويين يقارب تعداد سكانهما 3 مليارات! التطور المتسارع في الجنوب العالمي سيكفل عزل أي مشروع يرتبط بعقلية الحقبة الماضية، وسيكون الاتجاه العام كفيلاً بتحويل كل ما سوف ينفذ من هذه المشاريع إلى كتلة واحدة تعمل لصالح منطقة واسعة ذات مصالح ومستقبل مشترك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140