السودان لن يحتمل الصراع العسكري الجاري لمدة أطول
تستمر المعارك في السودان، ولا مؤشرات ملموسة على الأرض توحي باقتراب الوصول إلى اتفاق، ويبدو أن الخيارات المتاحة تضيق يوماً بعد يوم، وقد تنخفض احتمالات الوصول إلى اتفاق بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، لكن سلسلة من التطورات قد تغير الإحداثيات على الأرض، وفي المحيط الإقليمي للسودان.
تدخل المعارك الطاحنة في السودان شهرها السادس، بعد اندلاع مواجهات منذ منتصف شهر نيسان الماضي، بين الجيش و«الدعم السريع» وفي الوقت الذي ظهر الصراع بينهما بوصفه صراعاً على السلطة، تبيّن أن كلا الطرفين يتمتعان بالفعل بعلاقات واسعة بالخارج، ضمنت دعماً في تأمين السلاح والذخائر اللازمة، لكن الوضع الميداني لا يبدو أنه يمكن أن يحسم في وقتٍ قريب، لا بل تدل المؤشرات أن معارك كهذه يمكن أن تستمر فترة طويلة من الزمن. لكن السودان في وضعه الحالي لن يكون قادراً على احتمال تبعات هذا الصراع، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى الإنساني، فما هي الاحتمالات الأولية؟
خطر تقسيم جديد يلوح في الأفق!
بعد أن عانى السودان سابقاً من تقسيم انفصل فيه قسمه الجنوبي عن السودان وأصبح دولة مستقلة، يلوح اليوم في الأفق خطر تقسيم جديد، إذ انتقد حميدتي تحركات البرهان الأخيرة، وأعلن تحضيره خطوات بهدف قطع الطريق أمامه، إذ قال: إن قواته ستبدأ «مشاورات لتشكيل سلطة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها إذا ما استمرت محاولات قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ادعاء شرعية زائفة»، وهي خطوة رأت فيها مجموعة من القوى السياسية في السودان بمثابة إعلان نوايا تمهد لسيناريو تقسيم جديد، وخصوصاً بعد أن أكد حميدتي أن «قيام البرهان بتشكيل حكومة يكون مقرها بورتسودان يعني أننا نتجه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد». لكن رغبة أو عمل أي من الأطراف على سيناريو مشابه لن يكون كافياً لتحقيق ذلك على الأرض، فالسودان يعاني دون شك من حالة شديدة من الضعف والهشاشة في أجهزته السياسية حتى قبل اندلاع المواجهات الأخيرة، لكن الذهاب نحو تقسيم لا يمكن أن يكون شأناً داخلياً، وخصوصاً، أن تطوراً كهذا ستكون له آثار واسعة على كل دول جوار السودان التي من المتفق أن تعقد اجتماعاً جديداً برعاية مصرية، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك في شهر أيلول الجاري. لكن الحفاظ على ما تبقى من السودان موحداً سيكون مرهوناً بالوصول إلى أي حل يوقف القتال.
البرهان وجولات خارجية متعددة!
وصل رئيس المجلس السيادي السوداني إلى أوغندا في يوم السبت 16 أيلول الجاري، لتكون الزيارة الخارجية السادسة الذي يجريها البرهان في الأسابيع القليلة الماضية، شملت كلاً من مصر وتركيا وجنوب السودان وإريتريا وقطر ومن المتوقع أن يزور قائد الجيش السوداني السعودية في وقت قريب خلال الأسبوع الجاري. وزيارة أخرى إلى نيويورك على رأس الوفد الذي يمثل السودان في الاجتماعات الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ويبدو أن البرهان يسعى من خلال هذه الجولة إلى بناء شبكة واسعة من العلاقات تسمح له تسيّد المشهد، إذا ما حصل توافق حول السودان بين مجموعة من القوى المؤثرة، فدول مثل: مصر وتركيا والسعودية والإمارات يمكن تلعب دوراً شبه حاسم في الصراع الجاري حالياً، خصوصاً إذا ما توقفت الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع، في مقابل التعاون العسكري المعلن والمتنامي بين البرهان ودول مثل مصر وتركيا، إذ كان موضوع الدعم العسكري نقطة أساسية في جدول أعمال البرهان في زيارته لأنقرة، وحصلت قواته على طائرات مسيّرة تركية. فيمكن أن يلعب أي توافق محتمل بين القوى المشار إليها سابقاً دوراً في قلب كفة أحد الأطراف المتصارعة، ويحسم الصراع في الميدان، أملاً في تحقيق حد أدنى من الاستقرار تمهيداً لمرحلة قادمة.
يرتبط تعقيد الأزمة السودانية بعدد كبير من العوامل تعود بجذورها إلى كم كبير من المشاكل المتراكمة منذ عقود مضت، لم يشهد السودان خلالها أي استقرار حقيقي، ولم تسعَ أي من القوى المسيطرة على طرح أي برنامج فعلي للتخفيف من حدة التناقضات القائمة. لكن الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر أو السعودية ودول جوار السودان في ملف كهذا، يمكن أن يسهم في الخروج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة، نظراً لأن تطور المواجهات من شأنه أن يشكّل خطراً أمنياً حقيقياً على كل هذه الدول.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1140