هل قللت الزيارة الأمريكية للصين احتمالات المواجهة؟

هل قللت الزيارة الأمريكية للصين احتمالات المواجهة؟

تتدهور العلاقات الصينية- الأمريكية بشكلٍ مستمر، وذلك على الرغم من الزيارة الودّية الشكلية لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبكين منتصف الشهر الماضي، ففي الواقع العملي ما تزال المواجهة الاقتصادية والتجارية والسياسية تمضي على قدمٍ وساق بين الطرفين، وسط تنبؤات وتوقعات بتطور الظروف نحو مواجهة عسكرية مباشرة مستقبلاً في محيط تايوان ومنطقة البحر الصيني، فما نتائج زيارة بلينكن، وما احتمالات مثل هكذا صراع؟

زيارة بلينكن لبكين

احتفى العالم خلال الشهر الماضي بأنباء زيارة أنتوني بلينكن لبكين في 18 حزيران، بعد تعليق آمال هشّة أن مثل هذا الأمر قد يفتح احتمالات تقارب صيني- أمريكي ما، لكن سرعان ما تبددت الأوهام منذ اليوم الأول بعدما نشر معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني في تايوان تقريراً، أعلن فيه دعوة الولايات المتحدة له للمشاركة في مناورات عسكرية مشتركة تجمعهما مع اليابان في طوكيو.

قبيل توجهه إلى بكين، قال وزير الخارجية الأمريكي: إن زيارته تهدف لتحسين خطوط الاتصال بين بلاده والصين، والتأكد من ألّا تتحول «المنافسة مع الصين إلى صراع»، لكن جاء في أولى بيانات الخارجية الأمريكية بعد لقاء بلينكن نظيره الصيني تشين غانغ: «أوضح وزير الخارجية أن الولايات المتحدة ستدافع دائماً عن مصالح وقيم الشعب الأمريكي، وتعمل مع حلفائها وشركائها لتعزيز رؤيتها للعالم»، وبدوره قال غانغ: إن «العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وصلت إلى الحضيض، وهي في أدنى مستوياتها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين»، مؤكداً لبلينكن، أن ملف تايوان هو الأهم والأخطر في العلاقات مع واشنطن، مبلغاً إياه وجود خيارين فقط: «الحوار والمواجهة، وبين التعاون والخلاف».

وقد رفض الرئيس الصيني شي جين بينغ عرض بلينكن بفتح خط اتصالات للأزمات بين البلدين بسبب الظروف الحالية من العلاقات بين البلدين، أو قبل رفع العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة.

ما أوردناه يمثل جزءاً بسيطاً من مجريات الزيارة، إلّا أنه الجزء الذي حدد السمت العام لها ولنتائجها التي لم تؤدِ إلى أي تطور يذكر بالعلاقات بين البلدين أبعد من تهدئة دبلوماسية مؤقتة وعابرة، سرعان ما فرضت الوقائع العملية وحدّة التناقضات الثنائية خاصة والدولية عامةً تجاوزها نحو تصعيد سياسي وعسكري جديد.

ما بعد الزيارة..

يوضح تقرير معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني في تايوان وفقاً لسيناريو التدريبات، أن المناورات المشتركة المقبلة ستكون محاكاة لصراع عسكري مفترض بين بكين وتايبيه في مضيق تايوان.

وفي 21 حزيران أقر مجلس النواب الأمريكي اتفاقاً تجارياً جديداً مع تايوان، يُسهّل الإجراءات الجمركية بين الطرفين، بانتظار موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي عليه.

وعلى المستوى الدبلوماسي «زلّ» لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملة له لجمع التبرعات، بوصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بالـ «ديكتاتور» لتقابل هذه الزلّة بردود صينية حادّة.

في 24 حزيران أعلنت وزارة الدفاع التايوانية عبر بيانٍ لها عن اقتراب 19 طائرة حربية، و5 سفن تابعة للجيش الصيني بدورية عسكرية مشتركة من الجزيرة، ثم في 25 حزيران أعلنت الحكومة الفيتنامية وصول حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس رونالد ريغان» إلى مدينة دانانغ، بعدما كانت تحتج على إبحار سفن صينية في مياهها الإقليمية.

أما على المستوى السياسي المباشر بين البلدين، فقد طالبت بكين في 29 حزيران عبر المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها المفروضة على الصين لإعادة فتح المحادثات العسكرية رفيعة المستوى بين البلدين، وقال المتحدث ليو بينغيو: «إن الجانب الأمريكي يعرف سبب الصعوبات في علاقاته العسكرية مع الصين.. لقد فرضت بالفعل عقوبات أحادية الجانب على الصين [...] يجب إزالة هذه العقبات قبل أي تبادل، ويمكن أن يتم التعاون بين البلدين». ليردّ البنتاغون في اليوم نفسه، أن الولايات المتحدة لا تعتزم رفع عقوباتها عن بكين، وقال المتحدث باسمه باتريك رايدر خلال مؤتمر صحفي: «بخصوص رفع العقوبات لغرض إزالة العقبات أمام إجراء الاتصالات، فكما قال وزير الدفاع لويد أوستين، بإمكانه إجراء اتصالات بنظيره الصيني الآن [...] ليس من الضروري رفع العقوبات لإجراء مثل هذه الاتصالات، ومن وجهة نظرنا، لا يوجد ما يعرقل إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة الآن».

قانون صيني جديد

أقرّ البرلمان الصيني في 28 حزيران نصّاً قانونياً جديداً للعلاقات الخارجية، يتيح لبكين القيام بإجراءات جوابية اقتصادية وتجارية بمواجهة الضغوط الغربية، ويعطي أساساً تشريعياً لإجراءات انتقامية سريعة وسياسية بوجه أية خطوات غربية جديدة، وهو يهدف بشكل أساسي لحماية الشركات والمواطنين الصينيين من القيود الغربية داخل وخارج البلاد، ودخل حيز التنفيذ منذ الأول من الشهر الجاري، وبحسب وزارة الخارجية الصينية، فإن هذا القانون يعزز سيادة وأمن البلاد. ليتيح القانون بهذا المعنى للشركات والأفراد الصينيين خلال أنشطتهم الاقتصادية والتجارية، تحديداً منها مع روسيا، إمكانات للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأمريكية وبحماية رسمية من الدولة الصينية.

مواجهة عسكرية مقبلة؟

قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون ينغ هوا عبر تويتر يوم زيارة بلينكن في 18 حزيران: «إذا كان لنزاع عسكري مفاجئ أن ينشب بين الصين والولايات المتحدة، فلن يحدث ذلك جراء الأعمال الاستفزازية لجمهورية الصين الشعبية التي سترسل سفنا حربية وطائرات إلى لوس أنجلوس، أو مكان آخر على سواحل كاليفورنيا [...] على الأرجح ستتسبب فيه السفن الحربية والطائرات الأمريكية الموجودة قرب الأراضي الصينية.. في العلاقات مع دولة بحجم الصين، القاعدة الأساسية هي الاحترام المتبادل».

استناداً لمثل هكذا تصريحات، أو التطورات السابق ذكرها وغيرها، يميل معظم المحللين إلى الاستنتاج بأن السمة العامة للخطوات الصينية والأمريكية، أو العلاقات الثنائية بينهما، تمضي بهدف وحيد، وهو تأجيل المواجهة العسكرية المحتمة بينهما مستقبلاً قدر الإمكان، والاستفادة من الظروف الراهنة حتى اللحظة الأخيرة استعداداً لهذه المواجهة على تخوم الصين.

في الحقيقة، لا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وسط أزمتها، والتطورات الدولية الجارية بعكس مصلحتها، خياراً آخر سوى المواجهة مع الصين، حتى وإن اقتضت الضرورة بفتح جبهة عسكرية معها مستقبلاً، إلا أن هذا الأمر يختلف كلياً بالنسبة للصينيين الذين يمضون بالتعاون مع أصدقائهم وحلفائهم نحو إنهاء الهيمنة الأمريكية وإضعافها، وإعاقة أية مشاريع وتوتيرات مستقبلية تطمح لها، وإنهاء الملفات المشتعلة حالياً سواء في تايوان أو أوكرانيا أو غيرها، وصولاً لتصفير قدرة الولايات المتحدة عن خوض أي صراع عسكري مباشرة، أو بالوكالة، ورغم ذلك تؤكد الصين على الدوام استعدادها للردّ على أي استفزاز عسكري أمريكي بطبيعة الحال.

ما بات واضحاً وأكيداً حتى الآن، أن طموحات واشنطن وحلفائها بفصل الصين وروسيا عن بعضهما لا يمكن وصفها إلا بالتخيلات بكسر مسار التاريخ برمته، وليست علاقات البلدين فحسب، ضمن ظروف وأحوال جديدة مختلفة كلياً عن ظروف القرن الماضي وحربه الباردة، حتى وإن كانت هناك تشابهات شكلية بين الحقبتين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1130
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:26