كُسر الدرع والسهم والكيان خلفهما

كُسر الدرع والسهم والكيان خلفهما

بعد 5 أيامٍ من المعارك الطاحنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني تحت عنوان معركة «ثأر الأحرار» رداً على عملية «الدرع والسهم» التي أطلقها جيش الحرب الصهيوني لاغتيال قياديين من فصائل المقاومة الفلسطينية، ورداً على اعتداءاته على عموم الفلسطينيين والمسجد الأقصى، باقتحاماته والاستفزازت التي جرت به، وثأراً للأسرى الأحياء منهم والشهداء، انتهت جولة أخرى من المعارك باتفاقٍ لوقف إطلاق نار مساء أمس السبت.

بدأ وقف إطلاق النار هذا من الساعة العاشرة، بعد أن استهداف المقاومة بضربات صاروخية لإحدى القواعد العسكرية الصهيونية في سديروت جنوبي تل أبيب، وفي حين أصدرت الغرفة المشتركة للمقاومة بياناً يفيض قوةً وإصراراً، كان موقف الصهيوني التهديد والوعيد بعملية أخرى تعكس مدى تضرره واستيائه مما جرى.
مرةً أخرى، أثبتت المقاومة الفلسطينية الشعبية المدنية منها والمسلحة، قدرتها على مقارعة العدو بكفاءة وقدرة أعلى مما سبق، واستعدادها للدفاع عن نفسها بوجه أي تهديدٍ، وتحت أي ظرف وشرط، والخروج من المعركة منتصرة عسكرياً وسياسياً، وبتفاؤل وإرادة أكبر مما مضى، ذلك على الرغم محاولات العدو التركيز على جانب وحيد من الحدث يتعلق بأرقام إحصائية من دمار وشهداء يختبئ خلفها.
خلال الأيام الـ 5 الماضية، اعتدى الكيان الصهيوني على قطاع غزة بالقصف الأرضي والجوي، عبر المروحيات والمقاتلات الجوية، استهدف واغتال خلالها عدداً من قيادات المقاومة الفلسطينية، وجموعاً من المدنيين الفلسطينيين وعشرات المنازل، راح ضحيتها وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية 33 شهيداً، بينهم 6 أطفال و3 نساء وأكثر من 50 إصابة.
أمطرت المقاومة الفلسطينية الكيان بمئات الصواريخ رداً على اعتدائاته، في تل أبيب ومستوطنات ريشون لتسيون وعسقلان وسديروت ورامات غانا ويافا ورحوفوت وأشكول، أعلن الكيان على إثرها مقتل مستوطنين اثنين وجرح آخرين، وعرقلة حركة الطيران في عدد من المطارات، ودوي صافرات إنذار. ومرة أخرى، كانت تكاليف المعركة موجعة لكيان الاحتلال من كافة النواحي، سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً... وبشكل مكثف: كان أثر المعركة ونهايتها على الكيان ومستوطنيه مزيداً من القلق والتوتر وانسداداً للأفق، بينما احتفى الفلسطينيون بشهدائهم، مؤكدين سعيهم القضاء على الاحتلال بعزيمة أكبر ووحدة أوسع.

موقفا الغرفة المشتركة للمقاومة، والكيان

جاء في بيان الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار: «انتهت جولةٌ من القتال والمقاومة والصمود، ولكن مقاومتنا بدأت من جديدٍ أكثر قوة وعنفواناً، اختتمت الغرفة معركة «ثأر الأحرار» لكن الرايات لم ولن تنكّس، وإرادة القتال لم ولن تتراجع أبداً، لقد أخطأ العدو التقدير حينما ظن أن الوقت في صالحه، وأن الفرصة مواتيةٌ لاغتيال ثلةٍ من قادة المقاومة الأخيار، وأراد أن يغلق الجولة في أسرع وقت وحسب رغبته، معتقداً أنه بذلك قد حقق إنجازاً وخرج بصورة النصر، لكنه فوجئ بحكمة وبثبات المقاومة وبراعتها في إدارة المعركة، التي أربكت حساباته وأدخلته في معادلة الاستنزاف، وأشغلت منظومته الأمنية وأرهقت جبهته الداخلية الهشة، وجعلتها في حالة ترقب وقلق، فكانت يد المقاومة هي العليا، في معادلة القوة والردع، فأمطرت العدو بمئات الصواريخ والقذائف المدفعية».
بينما طالب وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف إتمار بن غفير بتنفيذ عملية عسكرية ضد الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، وقال «ما حدث في العملية جيد ومهم، لكن لا يمكننا الدخول في فترة احتواء وهدوء. يجب أن تكون العملية القادمة في «يهودا والسامرة» [الضفة الغربية] ... عدد غير قليل من «الإرهابيين» يخرجون من هناك، وبالتالي، فإن المطلب التالي هو القتل المستهدف هناك أيضاً».

اتفاق وقف إطلاق النار بشروط المقاومة

قبيل انتهاء المعركة عبر التوصل للاتفاق، أعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» مجموعة من الشروط للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع كيان العدو، منها: أن يكون متبادلاً ومتزامناً، وأن يؤكد على انتهاء سياسة الاغتيالات للأفراد، وهو ما أُعلن عنه لاحقاً، حيث تضمن نصّ الاتفاق وقف إطلاق النار، ووقف استهداف المدنيين والمنازل، و»وقف استهداف الأفراد».
يعكس هذا التنازل بالموقف الصهيوني وقبوله شرط المقاومة حاجته هو بالتحديد، وبشكل سريع، لانتهاء المعركة عسكرياً، وما تسببت وستتسبب من تداعيات على الداخل «الإسرائيلي»، وإن لم يكن هذا التنازل، والمواقف المشار إليها سابقاً يكفيان للتأكيد على أنّ المعركة جرت وانتهت لصالح الفلسطينيين، فالأيام القادمة ستثبت ذلك بما قد يجري داخل الكيان وانعكاساتها على أزمته السياسية.

المعركة لتغطية الأزمة داخلياً؟

يعتبر جزء من التحليلات المرتبطة بالمعركة الأخيرة بين الفلسطينيين والصهاينة، أن ما جرى استناداً لقاعدة تقليدية، وكان انطلاقاً من حاجة «إسرائيلية» لإعلان حرب تغطي على أزمته الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وترصّ صفوفه على إثرها.
وإن كان هذا الأمر يمثل جزءاً من حقيقة المجريات وخلال فترة زمنية مجتزأة، إلا أنه لا يغطي الحقيقة كاملةً، والتي ترتبط بمجمل التطورات الدولية والإقليمية، التي تتصل مباشرةً بأزمة الكيان نفسه، وصعود المقاومة الفلسطينية وانفتاح الأفق أمام حل قضيتها.
لكن حتى وإن اكتفينا مؤقتاً بجزئية محاولة التغطية على الظروف الداخلية، فإن الكيان بحكومته قد فشل في هذه المسألة، وكانت نتيجتها خسارات كبيرة له، لن تؤدي سوى إلى مزيد من الانقسام الداخلي، ومن المرجح الإسراع بانهيار حكومته الحالية، التي بدأت استفزازاتها المتعمدة على الفلسطينيين منذ أكثر من أسبوعين، عبر اقتحامات الأقصى وما جرى خلالها، وتوسيع المستوطنات والاعتقالات وغيرها من الإجراءات التصعيدية، التي تتحمل مسؤوليتها أمام باقي الأطراف السياسية الصهيونية والمستوطنين أنفسهم داخلياً، وسترتدّ عليها لاحقاً.

المعركة جزء من تطورات أوسع

لا يمكن تفسير وتحليل المعركة الأخيرة، وسابقاتها، وما يجري بين واحدةٍ وأخرى من مواجهات وعمليات مقاومة شعبية ومسلحة، دون ربط الملف الفلسطيني مع عموم التطورات الدولية والإقليمية، فحاجة الكيان الصهيوني المذكورة سابقاً بفتح معركة ما للتغطية على ظروفه الداخلية، قد جاءت أساساً نتيجة وجود أزمة سياسية واقتصادية داخلية ترتبط مباشرة بأزمة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتراجعهم، وهي أزمة ازدادت حدتها أساساّ بعامل داخلي بعد معركة سيف القدس الماضية ،التي كانت تل أبيب نقطة استهداف رئيسية من المقاومة خلالها كذلك.
وقد جاءت المعركة الأخيرة بعد تطورات وتغيرات إقليمية أكثر منها دولية، ليس أقلها إعادة العلاقات الإيرانية السعودية، أو دور ترويكا أستانا المتزايد في الملف السوري مثلاً، بما يحملانه من جوانب تؤثر على الملف الفلسطيني.
وبالعكس منه، تتيح هذه التطورات، وأزمة الكيان ضمناً، فرصاً متزايدة أمام الفلسطينيين لحل مشكلتهم مستقبلاً، فرص يجري التقاطها والدفع بها إلى حدودها القصوى وبأقل الخسائر الممكنة، وهو طريق لا بد أن يمر بمثل هذه التصعيدات، وهذه التضحيات التي اعتادوا على تقديمها بكل عزم وفخر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122