«مصادرة الأصول الروسية» واشنطن تطلق النار على قدميها
بعد بَدْء عمليات الجيش الروسي في أوكرانيا، اتخذت مجموعة من الدول الغربية قرارات تجميد الأصول الروسية الموجودة في الخارج، وقدّمت المسألة بوصفها إحدى أدوات الضغط الاقتصادي على موسكو، بهدف دفعها للتراجع عن خطواتها، لكن هذا الإجراء وما تلاه من مساعٍ لمصادرة هذه الأصول، يلقي الضوء على مسألة بالغة الأهمية، تمس الاقتصاد العالمي لا الاقتصاد الروسي فحسب!
لا ينقطع الحديث في الغرب وواشنطن تحديداً عن ضرورة الانتقال من تجميد الأصول الروسية إلى مصادرتها، ونقل أجزاء منها إلى أوكرانيا، لتتحول إلى دعم مالي إضافي لسلطات كييف، واتخذت واشنطن خطوات ملموسة في هذا الاتجاه مؤخراً.
مصادرات الأمريكية للأصول الروسية
أعلنت وزارة العدل الأمريكية منذ أيام، أن إدارة بايدن، واستناداً إلى تشريعات سابقة، «ستنقل أصولاً روسية للمساعدة في إعادة إعمار أوكرانيا». وفي هذا السياق، أشارت النائبة الأولى لوزير العدل الأمريكي- ليزا موناكو- إلى أن الولايات المتحدة ستكثف جهودها لتجميد الأصول الروسية والاستيلاء عليها، وقالت: «نخصص موارد جديدة لضمان المساءلة ومحاربة أولئك الذين يساهمون في آلة الحرب الروسية»، وأضافت: «إن هذه الموارد تمثل أيضاً استمراراً للجهود المبذولة لتجميد ومصادرة أي أصول روسية في حدود الصلاحيات التي نملكها».
ويدور الحديث عن أرصدة روسية تصل إلى 300 مليار دولار، ويشير البعض إلى أن الخطوة الأمريكية جاءت بعد تنسيق مع دول أوروبية أخرى، في الوقت الذي تقول بعض الصحف الأوربية: إن خبراء المفوضية الأوروبية يبدون قلقاً من المصادرة، ويقترحون استثمار الأصول المجمدة في سندات أوروبية والاستفادة من عوائدها.
إجراءات روسية جوابية
بعد الخطوات الغربية العملية، وقّع الرئيس الروسي مرسوماً، في يوم الثلاثاء 25 نيسان الجاري، يقضي بحجز أصول أجنبية في روسيا، ووضعها تحت الإدارة المؤقتة للوكالة الروسية لإدارة الممتلكات. وأشار المرسوم أنه ستطبق الإدارة المؤقتة في حال حرمان روسيا، أو كيانات قانونية روسية، أو أفراد، من حق ملكية ممتلكات واقعة على أراضي الدول الأجنبية التي ترتكب إجراءات غير ودية. واعتمد الرئيس الروسي قائمة الأصول الأجنبية التي تم وضعها تحت الإدارة المؤقتة وهي: 83.73% من أسهم شركة «يونيبرو Unipro» الروسية، المملوكة لشركة «يونيبرو» الألمانية و98% من أسهم «فورتوم Fortum» الروسية المملوكة للشركة الفنلندية.
وفي هذا السياق، وضّح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن الإجراءات الغربية غير الودية، «تهدف إلى إنشاء إطار قانوني، للاستيلاء الفعلي على أصول الشركات الروسية في الخارج». وأضاف المتحدث الرسمي: بأن «الهدف الرئيس من المرسوم، هو تشكيل صندوق تعويضات، ليتيح لنا الرد بالمثل».
ارتدادات أبعد من حدود روسيا
تُعدّ مصادرة الأصول الروسية سابقة ستؤثر على الاقتصاد العالمي بشكلٍ ملحوظ، فبالنسبة لمعظم دول العالم تبدو الصورة بوصفها خلافاً سياسياً بين الدول الغربية وروسيا، تحوّل إلى صدام عسكري، لكن انتقال واشنطن إلى مصادرة أرصدة الأفراد والأرصدة الحكومية الموجودة على أراضيها، يُعد شكلاً من أشكال «البلطجة الاقتصادية» ما نبّه الدول الأخرى إلى أن واشنطن غير قادرة على ضمان أي أرصدة أجنبية موجودة على أراضيها، ويمكن أن تستولي عليها بعد أي خلاف سياسي مع أي دولة أخرى. وفي هذا السياق نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً عن الموضوع، أشارت إلى أن هذه المصادرة «تعدّ سابقة لانتهاك الأسس القانونية الغربية» وأن هذه الخطوة «تضعف الثقة في نظام القانون الدولي والاتفاقيات التي لطالما دافعت عنها الدول الغربية بصوتٍ عالٍ». وأوضح التقرير الأمريكي، أن خطوات كهذه من شأنها تقويض الثقة بالولايات المتحدة وبالدولار الأمريكي، نظراً إلى أن الدول الأجنبية قد تكون أقل رغبةً في إبقاء الودائع في البنوك الأميركية أو الاستثمار خشية مصادرة أصولها. هذا بالإضافة إلى إشارة التقرير إلى أن ذلك يمكن أن يفتح باباً لمصادرة أصول غربية في دول، مثل: روسيا كإجراءات جوابية، وهو ما سبقت الإشارة له.
الخطوة الأمريكية الأخيرة ستكون ضربة جديدة للهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي، فالآثار الاقتصادية المباشرة على روسيا، تكاد لا تقارن بخسائر واشنطن على المستوى العالمي، فإذا ما تمت فعلًا مصادرة 300 مليار دولار مملوكة لروسيا، سيكون لدى هذه الأخيرة تعويض هذه الخسائر عبر مصادرة ممتلكات غربية في أراضيها، لكن تأثيرات خطوة كهذه على الدولار من شأنها أن تسرّع كثيراً في عملية الاستغناء عنه، ما سيحرم واشنطن من ريع لن يكون تعويضه متاحاً ضمن إمكانات اقتصادها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1120