نمو ونقلات متسارعة... هل تنجح الهند في تجاوز مشكلاتها؟

نمو ونقلات متسارعة... هل تنجح الهند في تجاوز مشكلاتها؟

تبرز الهند كقوة صاعدة تحمل إمكانات لا تقل كثيراً عن نظرائها من مستوى الصين وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، وقد كانت خلال الأسبوع الماضي تحت الأضواء الإعلامية، بعد صدور تقارير تفيد أن تعدادها البشري سيصل لمستوى الصين ويتجاوزه خلال الشهرين القادمين، فضلاً عن التقارير المتعلقة بنموها الاقتصادي المتسارع، وعلاقاتها السياسية الخارجية، وأنشطتها التكنولوجية المتقدمة.. ما مستقبل الهند على الساحة الدولية وما موقعها من الصراعات الكبرى الجارية؟

تمتلك الهند علاقات دولية متعددة، تبدو في الظاهر متساوية فيما بينها مع القوى الرئيسية الأربع الصين وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، كما أن لديها نقاطاً خلافية مع كل واحدة من هذه القوى، سواء بالجوانب الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو حتى الوطنية- الحدودية كحالة الصين، فضلاً عن تنافسها الاقتصادي مع الأخيرة.

العلاقة مع دول الشرق

بنيت العلاقات الصينية– الهندية على أرضية تنافسية حادة بين البلدين، اللذان يمتلكان لوحدهما قرابة نصف التعداد البشري العالمي، بما يعنيه ذلك من قوة إنتاجية كبيرة جداً، سواء بالشق الداخلي أو بالعمالة الخارجية، وسوق استهلاكي ضخم، إلا أن هذه الحالة التنافسية صبغت بأشكال سلبية وتناحرية أحياناً، تعود جذورها إلى مرحلة الاستعمار البريطاني، وما خلّفه عمداً من مشكلات ثنائية بين البلدين، حملتها الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً، ومن أهم هذه الخلافات المسألة الحدودية.
منذ نحو 60 عاماً، تجري اشتباكات صينية- هندية كل حين، على نقاط حدودية مختلف عليها بين الدولتين، تارة طفيفة لا تتعدى المناورة بين القوات العسكرية، وتارة خطيرة قتل خلالها جنود من الطرفين، إلا أن الثابت على طول الخط، كانت محاولات ضبط النفس والتهدئة من كليهما، وعدم الانجرار إلى تصعيد خطير يصل حد الحرب.
مع التطورات الدولية المتسارعة خلال العقدين الأخيرين، والمتسارعة أكثر خلال العامين الماضيين، بما احتوته من ظهور وتثبيت لسياسات دولية جديدة مختلفة كلياً عن سابقتها، زاد الحديث الصيني- الهندي عن ضرورة تسوية الملف الحدودي بينهما، ليجري مؤخراً اجتماع بين وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو، ونظيره الهندي راجناث سينغ في نيودلهي يوم الخميس 28 من شهر نيسان الجاري، أُعلن بعده أن الوزيرين ناقشا تطبيع الوضع بأسرع وقت ممكن، مما يعني سعيهما لحل الملف الحدودي مرةً وللأبد.
أما بعلاقاتها مع موسكو فكانت بمعظم الأحيان– بالمعنى التاريخي– إيجابية، ويعود ذلك إلى الحقبة السوفييتية والدور البارز للهند في عدد من المسائل، مثل حركة عدم الانحياز، ولعبت الجوانب الاقتصادية وحاجات كلا البلدين لبضائع وسلع تنتجها الأخرى دوراً كبيراً في تمتين العلاقة، وخصوصاً منتجات الطاقة، مثل استيراد النفط الروسي، أو شراء وبناء المفاعلات النووية. وقد برزت متانة العلاقات الروسية الهندية مؤخراً مع اشتعال الملف الأوكراني، وما تخلله من محاولات غربية لعزل روسيا سياسياً واقتصادياً، إلا أن الهند، فضلاً عن أنها لم تنجر خلف كل الضغوط الغربية لإدانة روسيا على الأقل، زادت من واردات الطاقة الروسية، ولم تُعر اهتماماً للتهديد والوعيد الأمريكي.
كذلك أقامت الهند علاقات سياسية واقتصادية إيجابية مع بقية دول الشرق عموماً، كما أنها جزء رئيسي وفاعل في منظمة شانغهاي للتعاون.

العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا

لا يمكن للهند تناسي العلاقة الاستعمارية مع الغربيين، وهي إن كانت تمتلك علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية متوازنة مع الدول الغربية اليوم، تبرز الخلافات الوطنية والسياسية والاستراتيجية بين حينٍ وآخر معها، وترتفع حدتها، ومن أهم هذه الخلافات، ما يتعلق بالأحادية الأمريكية والهيمنة الغربية خلال القرن الماضي، مما أعاق تطور ونمو الهند بكافة الجوانب.
مصلحة الهند تتلاقى مع مصلحة الصين وروسيا وبقية دول الجنوب والعالم الثالث، بالتخلص من نظام القطب الواحد، إلا أنها وبنفس الوقت، وبما يشبه الحالة الصينية، تحاول قدر الإمكان تأريض المساعي الغربية لإعاقة هذا التغير الدولي بالنزاعات والحروب، وتبرز مواقفها الواضحة بهذا الإطار في المسائل الحساسة والرئيسية ومنها ما كان خلال أزمة كورونا، وحديث وزير خارجيتها عن الاحتكار الغربي للقاحات، وتحدّيها للغربيين بصادراتها من الحبوب إلى الدول الفقيرة المحتاجة لها بشكل أكبر من الأوروبية.

قوة اقتصادية كامنة، لكن؟

تمتلك الهند كافة المقومات لتكون قوة اقتصادية عالمية ضمن المراكز الثلاثة الأولى، وقد برزت تقارير غربية تتنبأ أن تصبح الهند الثالثة عالمياً بالوزن الاقتصادي في عام 2026، كما أن لديها- حسب بعض التقديرات- القدرة لتنافس الصين ضمن هذه المراكز استناداً لما تمتلكه من قوة بشرية ومساحة جغرافية وزراعة وصناعة ومؤخراً التكنولوجيا.
لكن تواجه الهند تحدّيات عديدة وكبيرة ضمن هذا المسار، اقتصادية وسياسية، فمن جهة لا تزال البلاد تعاني من مشكلة جدّية في بنيتها التحتية، سواء فيما يتعلق بالطاقة أو المواصلات أو القطاع الخدمي عموماً، ومن جهة أخرى، وجود تناقضات سياسية واجتماعية عدّة تؤثر على وضع خطط لحل مسألة البنية التحتية نفسها، ويمكن أن تشكل عائقاً أمام النمو مستقبلاً في حال انفجارها، إذ تهدد هذه التناقضات حالة الاستقرار الاجتماعي في البلاد، التي تشهد توترات أمنية جزئية ومتباينة في عدة مناطق منها كل حين، تعود بالجانب الأساسي منها لمسألة كيفية توزيع الثروة في البلاد ولمصلحة من.

مع من تقف الهند؟

يحلو للغربيين تصوير الهند وأية دولة أخرى، بوصفها مع أو ضد الولايات المتحدة، مع أو ضد الصين وروسيا، وفق عقلية موازين القوى السابقة من الهيمنة والتبعية والتنافس التناحري، لتغرقنا التحليلات الغربية مؤخراً بعد صدور تقارير النمو البشري والاقتصادي للهند، أن الأخيرة– الصديقة للغربيين من وجهة نظرهم- ستتجاوز الصين وتقضي عليها.
كما أن معظم التحليلات الغربية تبدو سطحية في معالجتها للعلاقات الهندية الخارجية، فتبدو متوازنة ما بين الشرق والغرب اقتصادياً وسياسياً، وعليه يبرز اصطفاف الهند بشكل ضمني في هذه التحليلات تارةً مع الشرق وتارةً مع الغرب.
حقيقة الأمر، أن الهند، بوزنها ونموها اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، تمثل قطباً بنفسها، بالمثل من بقية الأقطاب في النظام العالمي الجديد الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فضلاً عن مكانها ضمن الشراكات والتحالفات المتعددة، من مثل شانغهاي أو بريكس، وعليه فإن النظر لها، أو لأية دولة أخرى، من منظار سياسات موازين القوى القديمة وعقليتها لا يمكن لها تفسير التحركات الهندية وفهمها بشكل صحيح، وأكثر من ذلك، تخطئ بالتنبؤ بموقعها واصطفافها لاحقاً، فهي وإن تمكنت من حل مشاكلها الداخلية سابقة الذكر، واستطاعت مواكبة الصين ومساواتها أو تجاوزها اقتصادياً، لا يعني ذلك ضرراً على الصين أو أية دولة أخرى أيّاً تكن، على العكس، فنمو دولة واحدة اليوم يعني نمو بقية الدول في محيطها القريب والبعيد، ضمن سياسات التكامل والتعاون والتكافؤ الجديدة، وأكثر من ذلك، أن تكيّف الهند الجاري مع هذه السياسات، ودورها الفاعل بتثبيتها، يعني القضاء على الهيمنة الغربية والأمريكية، بما يتلاقى مع المصلحة الصينية نفسها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1120
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 21:50