الكيان الصهيوني… أيّة خطوة يمكن أن تتحول إلى مأزق جديد

الكيان الصهيوني… أيّة خطوة يمكن أن تتحول إلى مأزق جديد

سارع البعض، بعد إعلان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن تجميدٍ مؤقت لخطة التعديلات القضائية، للقول: إن المشهد السياسي في الكيان قد يتجه إلى مرحلة من الهدوء، لكن الأيام التالية لهذا التجميد أثبتت العكس، فلم تكد تبدأ جلسات الحوار بين الحكومة والمعارضة حتى اشتعلت الأجواء مجدداً، وعلى كافة الجبهات هذه المرة، مما سيضيّق الخناق أكثر على الاحتلال.

عادت التظاهرات بزخمٍ مرتفع لتحتل الساحات مجدداً، وذلك بالرغم من تعرّض الكيان لضربات من المقاومة الفلسطينية في الداخل، وصواريخ من جنوب لبنان، وأخرى من سورية، استهدفت مستوطنات في الجولان المحتل، إلا أن ذلك لم يغير في حسابات المتظاهرين، أو القوى السياسية الداعمة لهم. فانطلقوا للاحتجاج في 15 موقعاً مختلفاً، ووصلت أعداد المحتجين في مظاهرات مساء يوم السبت 8 نيسان الجاري إلى أكثر من 140 ألف، تجمع بعضهم أمام مقر إقامة نتنياهو.
ما هي خيارات الكيان في لحظة حساسة كهذه؟ وهل سيكون قادراً فعلاً على مجابهات التحديات على جبهات متعددة؟ خصوصاً أنه يشهد أزمة سياسية غير مسبوقة قد تتطور إلى حرب أهلية شاملة.

تحركات إجبارية ولكنها قاتلة

يستعير علماء السياسة مصطلحات وحالات من الشطرنج، ففي اللعبة الاستراتيجية الشهيرة قد يجد اللاعب نفسه في مأزِق، إذ يكون مجبراً لتحريك أحجاره، لكن جميع احتمالاته المتاحة تزيد الوضع سوءاً على الرقعة. الكيان الصهيوني يعيش اليوم حالة مشابهة إلى حد بعيد، فحالة الـ «زوغزوانZugzwang » كما يسميها الاصطلاحيون، تفرض على الكيان اتخاذ خطوات من شأنها تعقيد الوضع أكثر. والأمثلة على ذلك غير منتهية، إذ يمكن رصدها في كل التفاصيل السياسية والعسكرية والأمنية، وفي سياق كهذا يمكن الإشارة إلى أبرزها:
الصواريخ التي انطلقت باتجاه المستوطنات ستتبعها آثارٌ سياسية أهم وأعمق من أي أثرٍ عسكري أو أمني، إذ أنّ الخيارات المتاحة أمام الكيان محدودة، فإما اتخاذ إجراءات عسكرية تدفعه لمواجهة على أكثر من جبهة، فشل سابقاً في الثَّبات أمامها، وإما أن يتلقى الضربات صامتاً، ما يحمّل الحكومة المأزومة فاتورة سياسية جديدة، ويضعفها أكثر أمام الشارع وانتقادات المعارضة. فخلال اجتماع تشاوري جمع نتنياهو مع وزراء بارزين وقيادات أمنية وعسكرية، قال رئيس الوزراء: إن على «إسرائيل تجنب الانجرار إلى المواجهات والصراعات على نطاق أوسع وتقديم جبهة موحدة»، وأضاف: إنهم يواجهون خلافات كافية في الداخل حول العديد من القضايا، لذلك أصّر نتنياهو على ضرورة تجنب المواجهات في هذه المرحلة. كل هذا دفع الحكومة للتفكير ملياً قبل الانجرار لرد واسع على الصواريخ التي ضُربت على الكيان، من غزة أو لبنان أو من سورية في فجر يوم الأحد 9 نيسان، وبالرغم من أنّ الحكومة قامت بإجراءات جوابية، إلا أنها بدت أقل من مستوى التصعيد الحاصل، ما دفع وزير الأمن الأسبق إفيغدور ليبرمان لوصف الرد الصهيوني بالـ «النكتة المضحكة» وحذّر من أن الكيان يواجه «انهياراً داخلياً وعزلة خارجية، ولم يعد يملك قدرة الرّدع».

مأزق في ملفات داخلية أيضاً

كذلك الأمر بالنسبة للجبهة الداخلية، فكل تصعيد جديد، وإن كان يبدو ضرورياً بالنسبة للقوى المأزومة، لكنه في الوقت ذاته يجعل الكيان عرضة لضربات جديدة من الشارع الفلسطيني، الذي يشهد درجة نشاط تاريخية. الأمثلة على المأزق الوجودي الذي يعيشه الكيان عدّة، تسقط فيها «أحجار الدومينو» في كل الاتجاهات. فأية محاولات داخلية للتهدئة، أو التصعيد، تزيد من الضغط على حكومة نتنياهو، إذ عبّر حلفاؤه في الائتلاف عن اعتراضهم على ما أسموه: «التراخي في التعامل مع الإرهاب الفلسطيني». وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: إنه يفكر في ترك الحكومة، أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فقد أكّد أن صبره على الحكومة بدأ ينفذ أيضاً. لكن الصورة من زاوية المعارضة تبدو مختلفة كليّاً، إذ يرى يائير لابيد مثلاً: أن تعيين بن غفير وزيراً للأمن كان ينبئ بوقوع الكارثة، ويرى خطورة في إجراءات بن غفير في اللحظة الحالية. فالإجراءات التي تعدّ غير كافية بالنسبة لليمين المتطرف المتحالف مع رئيس الوزراء، ويمكن أن تطيح بالحكومة، تبدو «كارثة» بالنسبة للمعارضة.

الكيان ضعيف والجميع يعلم ذلك

بالرغم من التحذيرات المضحكة التي أطلقها رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هاليفي، يبدو واضحاً أن اللحظة مناسبة لتوجيه ضربات مدروسة للكيان، هاليفي أشار إلى أن الكيان يعيش بالفعل وضعاً معقداً، لكنه قال: «أنصح أعداءنا ألا يخطئوا في تقديرهم لنا» في محاولة يائسة لاستعادة هيبة الجيش الذي يبدو متضعضعاً ومنقسماً. لكنه تجاهل أن الضربات التي تستهدف الكيان ليست عسكرية فحسب، فالجيش حتى وإن كان جاهزاً- كما يدعي رئيس الأركان- لن يكون قادراً على تغيير مسار التطورات الإقليمية والدولية، التي أصبحت توّلد المشاكل بالجملة. لا شك أن القدرات العسكرية للكيان قادرة حتى اللحظة على توجيه ضربات موجعة، ولا يمكن القول: إنها استنفذت قدراتها بالكامل بعد، لكن المعضلة تظهر مجدداً هنا، فأية مغامرة عسكرية في المنطقة ستزيد الطين بلّة، وتعقّد الوضع أكثر. ليجد الكيان نفسه بمواجهة خصوم عسكريين أثبتوا قدراتهم على التنسيق الجيد في ميادين القتال، ويملكون ترسانة أسلحة شديدة الفعالية بالرغْم بساطتها وانخفاض تكاليفها. هذا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أن تكون إيران طرفاً مباشراً في مواجهة من هذا النوع، عندها سيمثل الوضع تهديداً حقيقياً وسريعاً على مستقبل الكيان.

«زوغزوان» ليست حكراً على الكيان

المأزق المشار إليه سابقاً، وإن كان يفعل فعله بوضوح في الكيان، إلا أن نطاق تأثيره أوسع بكثير، فالأزمة التي يعيشها تعبيرٌ مباشر عن أزمة في الغرب، وفي الولايات المتحدة خصوصاً، فأية خطوة جديدة- وإن حققت مكاسب محدودة- تزيد من تعقيد المشهد العام بالنسبة لواشنطن، ويُعد التعامل مع أزمة الكيان مثالاً واضحاً على ذلك، فالوضع القلق الذي تواجهه واشنطن في المنطقة، وتحديداً بعد توقيع الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية بكين، والتقارب المتسارع بين الرياض وموسكو، وغيرها من الوقائع، تفرض على الإدارة الأمريكية ممارسة ضغط متزايد على الكيان لضبط سلوكه بما يطابق الأجندة الأمريكية، لكن بالرغم من شدة الضغط لم تحقق واشنطن النتائج المرجوة، وخرجت خطواتها السابقة من كونها ضغطاً على حكومة نتنياهو، لتصبح عاملاً حقيقياً ومؤثراً في الانقسام الداخلي، والدفع إلى مواجهات داخلية أعنف، وعندها تنعكس النتائج السلبية لكل ذلك مجدداً على واشنطن. التي تراقب عاجزة تداعي الكيان الصهيوني، حصنها الرئيسي والأخير في المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:10