الحلّ اليمني... اختبار أولي للتقارب الإيراني السعودي

الحلّ اليمني... اختبار أولي للتقارب الإيراني السعودي

تسارعت تطورات الملف اليمني إيجاباً خلال الأسبوع الماضي، فسرعان ما انتقل الحديث من تمديد الهدنة بين الأطراف المتحاربة إلى الحل السياسي الشامل للأزمة، وذلك بعد أقل من شهر على إعلان إيران والسعودية من بكين استئناف علاقاتهما الدبلوماسية.

منذ بدء الاقتتال في اليمن قبل أكثر من 8 سنوات لم تتوقف الدعوات والمساعي الإقليمية والدولية لإنهاء الصراع، إلا أنها كانت تفتقر إلى جملة من الظروف والشروط المرتبطة بالملف، وعلى رأسها وجود توافق إيراني-سعودي حول هذا الأمر.

حلحلة في الملف اليمني

جرت أول خطوة جدّية باتجاه حلحلة الملف اليمني في 2 نيسان/أبريل من العام الماضي 2022، عبر التوصل إلى اتفاق هدنة ووقف إطلاق نار لمدة 6 أشهر، ورغم أنه انتهى في تشرين الأول من العام الماضي إلا أن الأطراف المتصارعة ظلّت ملتزمة به نسبياً، والجدير بالذكر أن الاتفاق المذكور جرى بالتوازي مع بدء تواتر الأنباء التي تفيد بوجود محادثات إيرانية-سعودية تجري بوساطة عراقية.
الآن وبعد إعلان إيران والسعودية من بكين في الـ 10 من شهر آذار/مارس الماضي عن تطبيع واستئناف العلاقات بينهما، تحرّك الملف اليمني مرةً أخرى وبزخمٍ أكبر، حيث أفادت مصادر إعلامية ورسمية مختلفة عن التوصل إلى تفاهمات بين حركة «أنصار الله» (الحوثيين) والحكومة اليمنية والسعودية، تفضي إلى حل جملة من المسائل الأولية، كان قد سبقها منذ قرابة أسبوعين نشر صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالاً جاء فيه وفقاً لمصادرها، أن الإيرانيين أوقفوا تسليح الحوثيين كجزء من اتفاقهم مع السعودية، ليبدو أن السعودية تبدأ اليوم بتنفيذ جزئها من الاتفاق.

الاتفاق المرتقب

بناء على مختلف المصادر والتصريحات من المتوقع أن يتوصل الطرفان اليمنيان إلى اتفاق يشمل: تمديد الهدنة ووقف إطلاق النار بشكل رسمي لمدة 6 أشهر، حتى نهاية العام الجاري، وتوسيع بنودها لتشمل إجراءات إنسانية واقتصادية، وفتح مطار صنعاء الدولي ليشمل وجهات جديدة، واستئناف تصدير النفط من الموانئ اليمنية، وتوحيد العملة، وفتح الطرقات، وصرف أجور الموظفين المدنيين والعسكريين في مناطق سيطرة الطرفين، وإطلاق سراح الأسرى لدى الطرفين وفقاً لقاعدة «الكل مقابل الكل».

التصريحات والخطا الرسمية

بالجوانب العملية والرسمية، صرّح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي يوم الثلاثاء الماضي أن «الظروف الحالية مواتية للانخراط في محادثات سلام للتوصل إلى حل سياسي» داعياً اليمنيين إلى «وحدة الصف وإعلاء مصلحة اليمن العليا». وأفادت وسائل إعلامية بأن وزير دفاع السعودية الأمير خالد بن سلمان أبلغ مجلس القيادة الرئاسي اليمني بموافقة الحوثيين على تمديد الهدنة في البلاد بعد مباحثات سابقة توسطت فيها سلطنة عمان، وأنه بحث مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني محمد العليمي في الرياض جهود التوصل إلى حل سياسي شامل ينهي الأزمة اليمنية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر لها أن وفداً سعودياً عمانياً سيسافر إلى العاصمة اليمنية صنعاء لبحث وقف إطلاق نار دائم مع حركة «أنصار الله»، ونقلت عن المصدر «إذا تم التوصل إلى اتفاق، فقد تعلن الأطراف المتحاربة في اليمن عن اتفاق قبل عطلة عيد الفطر التي تبدأ في 20 أبريل».
وأكد ذلك عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» محمد البخيتي بتصريحه «نؤكد أنه قد تم التوصل بين صنعاء والرياض إلى تفاهم ونحن حتى الآن ننتظر من السعودية تنفيذ هذا التفاهم» معلناً أن التفاهم شمل كل الملفات، وأشار إلى أن التفاهم والحل الشامل سيكون على مرحلتين، الأولى قبل الفطر، والثانية ستجري في وقتٍ لاحق، ومحذراً من وجود «ضغوط غربية وعلى رأسها أمريكا على السعودية والإمارات للاستمرار في العدوان والحصار».
وبدوره أكد رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد محمد العليمي بوجود جهود تبذل لفتح ميناء الحديدة وتوسيع جهات السفر من مطار صنعاء ودفع الأجور والرواتب، وهو ما يتوافق مع تفاصيل الأنباء المتداولة والمتعلقة بالاتفاق المرتقب.

واشنطن.. الطفل المخرّب

بالإضافة إلى تحذيره من وجود ضغوط غربية وأمريكية للاستمرار بالعدوان، أعلن عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» محمد البخيتي بدء انسحاب القوات الإماراتية من اليمن إلا أنه أشار «لدينا معلومات شبه مؤكدة أنها [الإمارات] تنوي الاحتفاظ ببعض الجزر اليمنية، ونحن نؤكد أننا لن نقبل ببقاء الإمارات على شبر واحد»، مؤكداً أن تحقيق السلام الشامل في اليمن يقتضي انسحاباً كاملاً لكافة القوات الأجنبية من البلاد.
بالرغم من أن الملف اليمني مرتبط بالدرجة الأولى بإيران والسعودية إقليمياً، إلا أن الدور التخريبي الأمريكي كان المحرك الرئيسي خلفه منذ بدئه وحتى الآن، بما فيه تشكيل التحالف العربي لمساعدة «الحكومة اليمنية الشرعية» وفقاً لهم، ومثل هذا التحرك الإيجابي المفاجئ والسريع بالملف اليمني، دون وجود لأي دور أو وزن أمريكي بارز خلفه، عقب مفاجأة تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية أساساً، لا ترضي واشنطن ولا تضمن لها شيئاً من مصالحها في المنطقة، بل العكس، فحل الأزمة اليمنية سيفضي إلى مزيد من التقارب الإيراني لا مع السعودية فحسب وإنما مع منطقة الخليج العربي ككل.
من غير المستبعد أن تحاول واشنطن تخريب التطورات الإيجابية في الملف اليمني، خاصة مع تحدي السعودية المستمر لها، ويعد تحذير البخيتي من تواجد القوات الإماراتية مؤشراً أولياً على هذا الأمر، لكنه وبنفس الوقت لا يعني بعد موافقة الإماراتيين أو قبولهم بهذا الدور، فمسألة كيفية وزمن انسحاب القوات الأجنبية سيجري الاتفاق عليها بالمشاورات اللاحقة، والفترة المقبلة ستوضح الاصطفاف الإماراتي بشكل أكبر.
وبخطوة تصعيدية واستفزازية، فيما يبدو أنه، رداً على التطورات الأخيرة أعلنت الولايات المتحدة يوم السبت عن إرسالها غواصة نووية إلى الشرق الأوسط دون تحديد موقعها تماماً، والغريب في الأمر هو الإعلان بحد ذاته، مما يشكل ضغطاً وتوتيراً على دول الخليج وإيران.

اختبار أوّلي

يشكل الملف اليمني الآن بعد تحريكه أول اختبار عملي لمدى متانة التقارب السعودي-الإيراني وتأثيراته على المنطقة ككل، والذي يُظهر حتى الآن مؤشرات إيجابية في مختلف الأمور، إلا أن الجوانب الأهم هي مدى قدرة الطرفين على امتصاص محاولات التخريب والاستفزاز الأمريكية المتصاعدة وتأريضها، وصولاً إلى تصفير وزنها في المنطقة، ومن جهة أخرى، مستوى ضبط النفس والموضوعية حيال كيفية تطور الحل اليمني، وتحديداً منه بأن يكون حواراً وحلاً يمنياً-يمنياً بالفعل دون شروط أو تدخلات بمساره السياسي وخطواته التنفيذية ومخرجاته، وتأمين عدم وجود شروط وتدخلات من أية أطراف أخرى على رأسها واشنطن، وقدرتهما على مساعدة اليمنيين بتذليل العقبات التي قد تواجه طريق الحل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:10