تونس وأزمة المهاجرين.. ورقة ابتزاز أمريكية
تتعرض تونس لأزمة سياسية حادة وعميقة، تتداخل بها عدة اتجاهات وعوامل داخلية وخارجية تزيد من تعقيد المشهد العام، وتجعل من الصعب تحديد خطوط الفصل والتماس بين مختلف التيارات المتصارعة، ومعها تحديد المتآمرين الحقيقيين على استقرار تونس.
ففي الشق الداخلي 3 خطوط فاعلة ومؤثرة: سعيّد وحكومته، المعارضة، الاتحاد التونسي للشغل. وفي الشق الخارجي تبرز 3 خطوط كذلك: الولايات المتحدة، أوروبا، الجزائر.
صراعات داخلية
في الشق الداخلي، يستمر الرئيس التونسي قيس سعيّد بإجراءات يعتبرها محاربة للفساد والإرهاب وللمساس بسيادة الدولة، أدت بجزء كبير منها إلى العديد من التوقيفات والاعتقالات بحق مواطنين تونسيين مدنيين لا يعطيهم الإعلام حقهم بالتغطية، واعتقالات لنشطاء وسياسيين أغلبهم ينتمون لحركة النهضة وجبهة الخلاص، كان من آخرهم، اعتقال القيادي بالنهضة حبيب اللوز، وبطاقة إيداع بالسجن للقيادي الآخر أحمد العامري، وتوقيف المسؤول الإعلامي بالحركة عبد الفتاح التاغوتي، فضلاً عن محاكمة رئيس الحركة راشد الغنوشي.
بدورها تقوم حركة النهضة وجبهة الخلاص بأنشطة وتظاهرات تصعيدية، وتطلق تصريحات معارضة ومنددة بإجراءات سعيّد، ليبدو إثر ذلك أن المعركة الوحيدة الجارية تدور بين سعيد وحركة الإخوان المسلمين في تونس.
بنفس الوقت، وضمن خطٍ آخر، يدور صراع ليس أقل حدة بين حكومة سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أن الاتحاد بنشاطه لا يعطي للحكومة ذرائع قانونية لمهاجمته ميدانياً، وفي اللحظة التي وقع بها الاتحاد بخطأ خلال مظاهرة له في الشهر الماضي- بصرف النظر عمن تقع مسؤوليته- عبر مشاركة الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات ايستر لانش في التظاهرة، لم توفّر حكومة سعيّد فرصة لشن الهجوم عليه والاتهام المبطن له بالتعاون مع أطراف خارجية.
وبعد خطاب سعيّد مطلع الشهر الجاري صرح الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي: إنه «كان يتمنى أن يستمع إلى خطاب يزرع الطمأنينة ويوحد الشعب التونسي، لكنه استمع إلى رسائل مشفرة تُشيطن الاتحاد [...] نحن نبني ونشيد ولا نحطم، تونس الحرية لن يطول فيها استبداد مهما كانت التكاليف، الاستبداد سينكسر على صخرة الاتحاد»... وفي وقتٍ لاحق صرح الطبوبي خلال لقاء له مع إذاعة موزاييك «من يريد جرنا إلى الصدام فنحن لسنا أهل صدام، بل نحن قوة خير واقتراح وحجة وإقناع ومسؤولية» مؤكداً، أن الخروج من أزمة البلاد لا يمكن سوى عبر الحوار والتفاوض بين مختلف الأطراف.
بهذا المعنى يوجد مساران رئيسيان داخلياً، الأول: المتمثل بالصراع بين سعيد والنهضة، والذي يتخذ شكلاً إقصائياً بين الطرفين، والآخر: بين اتحاد الشغل والمسار السابق بطرفيه، والذي يدعو خلاله على الدوام إلى الحوار، وبين المسارين توجد الحركة الشعبية التي تحاول مختلف الأطراف استقطابها وقسمها، ويجري الرهان عليها مستقبلاً.
تدخلات وخلافات خارجية حول تونس.. هجرة الأفارقة ذريعة
كان موضوع المهاجرين من جنوب إفريقيا إلى تونس- أو عبورهم منها- عنواناً عريضاً ما يزال يجري الصراع حوله.
خلال اجتماع أمني ترأسه سعيّد في الشهر الماضي، أعلن جملة من الإجراءات العاجلة لمكافحة توافد المهاجرين غير النظاميين من جنوب البلاد والقادمين من إفريقيا، معتبراً إنه وضع غير طبيعي يقف خلفه ترتيب إجرامي يهدف لتغيير ديموغرافية البلاد، وبصرف النظر عن مناقشة مدى صحة أو مبالغة سعيّد بهذا القول، إلا أن حزمة الإجراءات والتصريحات التي أطلقها أعطت ذريعة للولايات المتحدة الأمريكية لمهاجمة سعيّد، سواء بالمعنى المباشر عبر تصريحات رسمية تتعلق بـ «عنصرية» تصريحات سعيّد ضد الأفارقة، أو ما يتعلق بالمعتقلين، أو عبر تعليق البنك الدولي تعاونه مع تونس وعرقلة التمويل، مستفيدة من 3 أمور: ابتزاز سعيّد للقبول بشروط سياسية منها التطبيع، وسنأتي على ذكره لاحقاً، تهديد الأوروبيين بالضغط على تونس لسماحها عبور المهاجرين منها، والإيحاء بدعمها «الديمقراطي والإنساني» للمعارضة التونسية، والإخوان تحديداً، ووقوفها ضد الاعتقالات، وباختصار، أطلقت واشنطن أزمة سياسية جديدة تلعب خلالها على مختلف الخطوط وتضرب الجميع بالجميع عبرها.
في الجهة المقابلة، أبدت دول أوروبية مواقف مغايرة للولايات المتحدة، أبرزها: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الذين أبدوا استعدادهم لمساعدة تونس مالياً– بالضد من تعليق تعاون البنك الدولي– وفتح خطوط ائتمان معها، ودعم سعيّد فيما يتعلق بسياسة الهجرة، مع تأكيد «حرصهم» على المسائل «الإنسانية» بالداخل التونسي.
وإذا ما كان الموقف المتناقض بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة يتعلق بخلافات وابتزاز وتضارب المصالح بينهما في موضوع الهجرة، إلا أنه يتفق على توتير تونس عبر التدخل بها، وإملاء شروط محددة عليها تعيق أيّ تطور سياسي طبيعي فيها.
من جهة ثالثة، برز دور للجزائر خلال الأسبوع الماضي، حيث صرح رئيسها عبد المجيد تبون، أن بلاده «ستقف مع تونس أحب من أحب وكره من كره» معتبراً أن تونس تتعرض لمؤامرة، وجرى بعدها اجتماع بين رئيس الوزراء الجزائري أيمن عبد الرحمن، ونظيرته التونسية نجلاء بودن، أكدا خلاله وفقاً لبيان من الطرف الجزائري: أن المحادثات شكلت «فرصة للتطرق إلى سبل تعزيز الدعم للشقيقة تونس من أجل تمكينها من استعادة استقرارها الاقتصادي الذي تعكف السلطات التونسية على تحقيقه» و«تضامن الجزائر التام مع الشقيقة تونس في إطار مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي» والمضي «نحو المزيد من التكامل الاستراتيجي والتنمية المتضامنة والمندمجة» دون أن يتطرق الاجتماع أو تصريحات تبون السابقة إلى محاباة أي طرف سياسي تونسي بعينه، أكان سعيد أو النهضة أو اتحاد الشغل وغيرهم، بما يشير إلى مساعي الجزائر لتأمين استقرار جارتها، وخفض حدة الأزمة فيها، بصرف النظر عن السلطة السياسية.
الولايات المتحدة والتطبيع
بالتوازي مع شن واشنطن حملة ضد حكومة سعيّد بذريعة تصريحاته حول المهاجرين الأفارقة، طُرحت مسألة التطبيع بين تونس والكيان الصهيوني علانيةً، حيث قال السفير الأمريكي في تونس جوي هود أمام مجلس الشيوخ الأمريكي: إنه سيعمل على دفع «تطبيع تونس مع إسرائيل» مشيراً بوقت لاحق في 23 شباط بأن «إقامة علاقات بين بلدين هو قرار وشأن سيادي لكل دولة ولكل شعب.. والشعب التونسي قرر من ينوبه».
ثم في 14 من الشهر الجاري جرى اجتماع بين وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين والسفير الأمريكي جوي هود مع وفد مرافق له، واكتفى بيان وزارة الداخلية بذكر أن الاجتماع كان مناسبة لاستعراض العلاقات والشراكة بين الطرفين، وتأكيدهما على ضرورة متابعة تنفيذ المشاريع المشتركة دون توضيح ماهية هذه المشاريع.
إلا أن اللافت، كان تقديم وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين استقالته بعد 3 أيام من الاجتماع السابق معلناً «الأمانة اقتضت أن أخلي نفسي من مسؤولية وزارة الداخلية، ورئيس الجمهورية تفهّم أمس وضعي وأذن لي بذلك، لأن هناك أمانة أخرى نادتني، وتونس أمانة..».
فهل كان للاجتماع علاقة بما تطرق له هود أمام مجلس الشيوخ الأمريكي؟ لم تصدر أية معلومات رسمية تفيد بذلك أو تنفيه، إلا أن صمت الحكومة التونسية واستقبال السفير بشكل «طبيعي» يضع العديد من التساؤلات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1115