«قمة العقبة»: هل تحولت إلى مثال جديد على حجم التراجع الأمريكي؟

«قمة العقبة»: هل تحولت إلى مثال جديد على حجم التراجع الأمريكي؟

رغم التحضيرات الكثيفة والتمثيل الواسع للقوى المشاركة في قمة العقبة، التي عقدت في 26 من شهر شباط الماضي على الأراضي الأردنية، أثبت الواقع عجز هذا الحدث عن التأثير الفعلي في مجرى الأحداث داخل الأراضي المحتلة، وهو ما ينبغي التوقف عند دلالته، لا لتفسير فشل القمة فحسب، بل لمحاولة رسم صورة أولية لشكل المرحلة القادمة.

الانتقادات الكثيرة التي رافقت التحضيرات لهذه القمة لم تكن أقل من تلك الأصوات التي هاجمت نتائجها، وفي الوقت الذي يبدو من المنطقي أن يكون الشارع الفلسطيني أكبر المحتجين على هذه الخطوة، يبدو أن الصهاينة المنقسمين غير قادرين على صياغة موقف رسمي واضح مما يجري.

ماذا جاء في البيان الختامي؟

أصدر المجتمعون في مدينة العقبة الأردنية بياناً عقب انتهاء القمة، التي أعدّتها وخططت لها الولايات المتحدة، وشاركت فيها السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وحضر القمة وفد رسمي مصري وآخر أردني، هذا بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى. وجاء في البيان: «أكد الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على التزامهما بكافة الاتفاقات السابقة بينهما، وبالعمل للتوصل إلى سلام عادل ومستدام. وأكد الجانبان مجددًا على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض، ومنع المزيد من العنف»، هذا بالإضافة إلى إقرار «كافة الأطراف الخمسة بأهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم، دون تغيير، في الأماكن المقدسة في القدس قولاً وفعلاً»، وأشار البيان أيضاً إلى تأكيد «الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على استعدادهما والتزامهما المشترك بالعمل فوراً على وضع حد للتدابير أحادية الجانب لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. ويشتمل ذلك على التزام إسرائيل بوقف مناقشة أية وحدات استيطانية جديدة لأربعة أشهر، ووقف منح التصاريح لأية بؤر استيطانية لستة أشهر».
تصريحات صهيونية معاكسة!
ما أن انتهت هذه القمة حتى بدأت أصوات بعض القوى في الحكومة الصهيونية القلقة بالهجوم على نتائجها، فأعلن وزير الأمن الداخلي، الصهيوني إيتمار بن غفير أنّ: «اتفاقات النقب ستبقى في النقب ولن تغادرها»، وفي السياق نفسه هاجم بتسلئيل سموتريتش- وزير المالية وزعيم اليمين في الائتلاف الحاكم- البيان الختامي، وتحديداً البند الذي تحدث عن ضرورة تجميد الاستيطان، وإيقاف إصدار تصاريح لأية بؤر استيطانية جديدة لمدة محددة من الزمن. وأعلن سموتريتش بشكلٍ واضح أنه: «لن يكون هناك تجميد بناء وتطوير الاستيطان، ولا ليوم واحد»، وأضاف في «تغريدة» على موقع تويتر: «ليست لدي أية فكرة عما تحدثوا أو لم يتحدثوا عنه في الأردن». مؤكداً: أن المستوطنات خاضعة لسلطته المباشرة. حتى أن نتنياهو نفسه أعلن أن حكومته مستمرة في شرعنة البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية، ما يشبه إلى حد كبير انسحاباً رسمياً من الالتزامات التي جرى التوقيع عليها قبل أيام. وهو ما دفع الإدارة الأمريكية أن تطلب توضيحات من حكومة نتنياهو حول المواقف الأخيرة التي يجري تداولها.

الانقسام مجدداً

إذا ما جرى النظر إلى هذه المسألة من زاوية الأزمة الداخلية التي تعصف بالكيان، لظهر بوضوح أن ما يجري أمر متوقع، ففي الوقت الذي ترى قوى داخل الكيان ضرورة إيجاد آلية ما لخفض التصعيد، وترى في التنازلات الشكلية التي ذكرت في البيان الختامي، ثمناً بسيطاً لتهدئة الأجواء لفترة من الزمن، تبدو قوى أخرى التي يمثلها أشخاص كـ بن غفير وسموتريتش مصرّة على سلوكها الاستفزازي، ولا ترى أية ضرورة لتقديم أي تنازل، حتى لو كان شكلياً ومؤقتاً، إلى تلك الدرجة التي لا يشعر هؤلاء بحجم المشكلة التي قد تنتج من التنصل من تعهدات الحكومة الرسمية بعد ساعات من التوقيع عليها. فرغم أن تعهدات الكيان كانت دائماً حبراً على ورق، ولم يصدّق الشارع الفلسطيني أياً من وعوده، لكن التنصل الصهيوني من هذه الالتزامات وبهذا الشكل العلني، يستهدف بشكل أساسي الأجندة الأمريكية، وهو ما يمكن أن يضيف لعنات جديدة على دولة الاحتلال.

«ثقل» أمريكي ولكن!

من المعروف أن قمة العقبة كانت جزءاً من مخططٍ أمريكي في محاولة لإعادة ترتيب الملف، وتحسين قدرة واشنطن المتراجعة على التحكم فيه، فالجانب الأمريكي كان ممثلاً بكل من مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ورئيس المخابرات المركزية وليام بيرنز، بالإضافة إلى كبير مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بريت مكغورك، ويمكن النظر إلى زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى المنطقة في الإطار نفسه، هذا بالإضافة إلى أن واشنطن مارست ضغطاً جدياً على السلطة الفلسطينية للحضور، وكذلك الأمر بالنسبة للأردن ومصر، ما يجعل لتصريحات المسؤولين الصهاينة بعداً خطيراً بالنسبة لواشنطن، فهي تعكس حجم التناقضات التي تضرب العلاقات الأمريكية- الصهيونية من جهة، ومن جهة أخرى يشكّل خروج مسؤولين صهاينة لإعلان موقف كهذا، يبين أن العلاقة بين الإثنين تدخل طوراً جديداً، ولن تكون صراعاتهم التي تطورت في السنوات الماضية قابلة للاحتواء كالسابق. من جهة أخرى، تضع الأحداث التي أعقبت القمة أسئلة كبرى حول الوزن الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فانخراط أرفع المسؤولين الأمريكان في تنظيم حدثٍ كهذا، والذي يعد خطوة من خارطة متكاملة تعدها الإدارة الأمريكية لم يكن كافياً لتعاطي المدعوين بالجديّة الكافية، وهو مثالٌ جديد على تراجع الإمكانات الأمريكية في منطقتنا، فإذا كانت واشنطن غير قادرة على ضبط سلوك تابعها الأساسي في المنطقة، حتى بعد كل هذا التنسيق والحشود الدبلوماسية والأمنية، ولا ينظر لها الشعب الفلسطيني كوسيط أصلاً، فهذا يعني أن مستقبل النفوذ الأمريكي في القضية الفلسطينية آخذٌ في التراجع بشكل أكثر تسارعاً من السابق، وهو ما يفتح الآفاق لا أمام القوى الدولية الأخرى للعب دور بديل فحسب، بل يعطي الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية لتوجيه ضربات موجعة للكيان، فنشاط المقاومة المتصاعد في الضفة يمكن أن يمهد لسيناريو شبيه بسيناريو «الانسحاب الإسرائيلي» من غزة، والذي يمكن أن يكون شرارة انفجار داخلي جديد، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفوارق الكبرى بين وضع الكيان في ذلك الوقت ووضعه في وقتنا هذا.

يجري الحديث بشكل مكثف عن أن المسؤولين الأمريكيين قدّموا خطة أمنية- عسكرية من شأنها تأريض عمل مجموعات المقاومة الشعبية الجديدة داخل الضفة، ويشار تحديداً إلى أن مهمة تصفية هذه النزعة الشعبية ستكون على عاتق السلطة الفلسطينية التي ستعد مجموعة أمنية جديدة، على أن يتم تدريبها في الخارج- ربما في الأردن- وهو ما من شأنه أن يجعل سلطة أوسلو في مواجهة الفلسطينيين مجدداً، ويجعل من كافة الدول المشاركة في هذه المخططات شريك في هذه الجريمة بنظر الشارع الفلسطيني والعربي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112
آخر تعديل على الإثنين, 06 آذار/مارس 2023 09:54