ماذا تعكس ميزانية الدفاع الأمريكية الجديدة؟
أقر مجلس النواب الأمريكي في اجتماع له في يوم الخميس 8 كانون الأول الجاري، مشروع ميزانية الدفاع المخصصة للسنة المالية القادمة 2023 بمبلغ 858 مليار دولار، وما أن جرى إقرارها حتى بدأت ردود الفعل، وتحديداً من قبل روسيا والصين، اللتان رأتا فيها استمراراً في سلوك واشنطن التصعيدي.
تعتبر ميزانية الدفاع واحدة من مؤشرات متعددة عن طبيعة السلوك الأمريكي في الفترة القادمة، وبعد النقاشات الموسعة داخل واشنطن حول جدوى فتح جبهتين في آن واحد في آسيا وأوروبا، وانخراط واشنطن في تأجيجهما يظهر أن الاتجاه العام لا يزال كما كان، وأن لا تغيير متوقع قريباً. فقد أقر المشرعون الأمريكيون مساعدات عسكرية وأمنية ضخمة موجهة ضد روسيا والصين بشكلٍ أساسي.
ردود الفعل الأولية
أعلن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أن ميزانية الدفاع الأمريكية «صدامية للغاية» تجاه روسيا وبشكلٍ غير مسبوق، واعتبر بيسكوف أن السلوك الأمريكي سيكون محفوفاً بعواقب خطيرة جداً وطويلة الأجل، وسيؤدي إلى مزيد من زعزعة استقرار الوضع في القارة الأوروبية. وفي السياق نفسه، عبّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج، أن بلادها تعارض بشدة إدراج بند في ميزانية الدفاع الأمريكية ينص على تقديم مساعدة عسكرية لتايوان بقيمة نحو عشرة مليارات دولار. وأضافت، أن بكين تدعو واشنطن إلى التوقف عن استخدام مسألة تايوان، ومحاولة ردع الصين من خلال هذه المسألة، وإلى قطع العلاقات العسكرية مع إدارة جزيرة تايوان.
زعزعة الاستقرار بتكاليف مخفضة!
لا شك أن الآثار الناتجة عن انخراط واشنطن في تقديم الدعم والتسليح لأوكرانيا وتايوان يعتبر عاملاً أساسياً في زعزعة الاستقرار في أوروبا وآسيا، وهو محاولة معلنة لاحتواء روسيا والصين وإشغالهم في معارك، تأمل واشنطن أن تحولها إلى حروب استنزاف طويلة. فالمسألة بالنسبة لأصحاب القرار الأمريكيين تبدو بسيطة جداً! فتقديم «بضعة مليارات» هنا وهناك من ميزانية عسكرية ضخمة تصل إلى عشرات أضعاف ما جرى إنفاقه حتى الآن في تايوان وأوكرانيا، يعتبر خياراً مربحاً لداعمي الحروب، فالمليارات هذه كانت كفيلة برفع درجة التوتر إلى حدود قصوى، ونجحت حتى الآن في إشعال مواجهة مباشرة مع روسيا، وقد نجد الصين مضطرة للتعامل عسكرياً مع التهديدات المتزايدة في محيطها. أي أن واشنطن ترى نفسها- حتى اللحظة- قادرة على إدخال خصومها في معارك صعبة، دون انخراط مباشر من قبلها بتكاليف محدودة نسبياً، إذا ما جرت مقارنتها بالنتائج المرجوة منها. لكن ما يَغفل عنه أصحاب هذا التوجه، أن هذه الفاتورة تتوسع شيئاً فشيئاً، وسترى واشنطن نفسها مضطرة لتعبئة الفراغ الناتج عن انهيار «حلفائها» قبل خصومها، في معركة الاستنزاف هذه، لا بل إن بعض القادة العسكريين الأمريكيين يدركون أن بلادهم لن تستطيع البقاء بعيداً لوقتٍ أطول، ويمكن أن يجدوا أنفسهم تحت وابل من النيران في محيط الصين مثلاً، ما سيجعل ما خصصته واشنطن غير كافٍ لإدارة معركة بهذا الحجم، هذا فضلاً عن المشاكل الكبرى التي بدأت تظهر في ترتيب الأولويات، فالمجمّع الصناعي العسكري الأمريكي لا يستطيع تأمين كل المطلوب على جبهتين في وقت واحد، حتى على مستوى الذخائر التقليدية.
كل هذه المؤشرات تدل بوضوح، أن صورة واشنطن التي تظهر فيها بوصفها المتحكم الوحيد بخيوط اللعبة، ما هي إلى صورة مزيفة، لن يمضي وقتٌ طويل حتى تتضح، وعندها لن يكون بإمكانها التراجع دون أن تتلقى خسائر هائلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1100