الغربيون يخسرون في المعركة الأوكرانية مع كل يوم إضافي

الغربيون يخسرون في المعركة الأوكرانية مع كل يوم إضافي

انتهت مساعي التفاوض حول الملف الأوكراني قبل بدئها، فالشروط الأوكرانية- الأمريكية بخروج روسيا للجلوس حول طاولة المفاوضات تعد خطوة استفزازية أكثر مما تكون للتهدئة، بينما يمضي مسار التصعيد باتجاه ثابت على كافة الجبهات وبكافة الأشكال، مسارُ يقابله آخر بتأزم الأوضاع الاقتصادية غربياً بدرجات خطيرة جداً، ليس أقلها زيادة معدلات الفقر وارتفاع معدلات البطالة، ولا أكبرها موجات الإفلاسات الواسعة.

تصعيد جديد

بعد وضوح كذب مساعي التفاوض خلال الأسبوع الماضي، عادت لغة وخطوات التصعيد تنشط بكثرة، منها ما يجري تداوله إعلامياً (رغم نفيه رسمياً) عن «منح واشنطن الضوء الاخضر» لأوكرانيا بضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، وفقاً لصحيفة «تايمز» والتي جاء فيها أيضاً أن الولايات المتحدة أقل خشية الآن من أي تصعيد من جانب موسكو، ونقلت قولاً عن مصدر لها من البنتاغون «لا يمكننا إخبار الأوكرانيين بما يجب عليهم فعله. الأمر متروك لهم في كيفية استخدام أسلحتهم».
وفي السياق نفسه، صرّح أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف: «سنكون قادرين على فعل أي شيء. لذلك، إذا كان هناك شيء يتعلق بمصالحنا، فلن نسأل أي شخص أين يجب أن نضرب العدو» مشيراً إلى أن كييف قادرة على ضرب أراضٍ روسية في حال توجيهها ضربات ضد أوكرانيا.
وفي سياق التصعيد ووأد أية ملامح بناء ثقة تبنى على أساسها فرصة للتفاوض، خرجت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بتصريح لافت لها مع صحيفة Zeit قالت فيه: إن «اتفاقيات مينسك لعام 2014 كانت محاولة لمنح أوكرانيا الوقت الكافي لتستعد للحرب ضد روسيا [...] كان بإمكان بلدان حلف الناتو آنذاك أن تفعل كل ما تفعله الآن لمساعدة أوكرانيا».
ليؤكد هذا التصريح، أن الغربيين كانوا يدفعون باتجاه الحرب بشكل مسبق منذ 2014، وأن المماطلات حول تنفيذ اتفاقات مينسك، والتي جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرنيا بسبب عدم تنفيذها، كانت تهدف لصنع الأرضية المناسبة للحرب.

الاقتصاد الأوروبي ينهار

مع تبيّن عدم وجود أية نية لعقد مفاوضات، واستمرار حُزم الدعم الأوروبية والأمريكية لأوكرانيا، تتزايد الأصوات المعترضة على هذا الدعم من شعوب الدول الغربية، مع تفاقم أزماتهم الاقتصادية بدرجات كبيرة وخطيرة، ففي بريطانيا مثلاً: أعلن اتحاد GMB أن أكثر من 10 آلاف مسعف سيبدؤون إضراباً عن العمل في إنكلترا وويلز في 21 كانون الأول، كما يجري الآن إضراب أكثر من 100 ألف ممرض وممرضة في 76 مستشفى في عموم المملكة المتحدة، احتجاجاً على التضخم وتدني الأجور والمستوى المعيشي وارتفاع أسعار الطاقة التي جاءت نتيجة للعقوبات الغربية على روسيا، واستمرار الحرب في أوكرانيا، ويطالب الممرضون برفع الأجور بنسبة 19%، ومن المقرر أيضاً أن تحدث إضرابات أخرى لعمال سكك الحديد، مما يعني شلّ القطاع الصحي وقطاع النقل في البلاد، وخلق ضغوط سياسية هائلة على الحكومة البريطانية الحالية.
وفي ألمانيا، القوة الاقتصادية والأولى أوروبياً، تمضي موجة إفلاسات كبيرة، فوفقاً لتحليل أجرته شركة الاستعلام الائتماني الألمانية «كريف» قبل أسبوعين/ وشمل حوالي 3 ملايين شركة، تعاني أكثر من 300 ألف شركة من مشكلات مالية، وبيّن التحليل: أن عدد الشركات المرجح إفلاسها ارتفع إلى نسبة 15.6%، وقال مدير شركة «كريف» فرانك شلين: «نتوقع حالياً إفلاس 14500 شركة في عام 2022» مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يرتفع العدد إلى 17 ألف في عام 2023، ومرجعاً أسباب ذلك إلى «تكاليف الطاقة المرتفعة والمشكلات الحالية في سلاسل التوريد والتضخم» التي حدثت بدورها نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية التي سرعت من مفاعيل الأزمة الرأسمالية في الغرب.
تراجع وتأزم الاقتصاد الألماني يعني عملياً تراجع وتأزم الاقتصاد الأوروبي ككل، كما أن انطلاق موجة إفلاسات في ألمانيا ستلحقها موجات شبيهة في البلدان الأوروبية الأخرى، مع ما سيرافق ذلك من ارتفاع لمعدلات البطالة وزيادة نسب الفقر، وما سينتج عنها من إضرابات سياسية واجتماعية.

لمن ينتظر نصراً تقليدياً

يحاول الإعلام الغربي تصوير أوكرانيا على أنها ميدان المعركة الرئيسي، وأي تطور عسكري في هذا الميدان يعكس تطوراً سياسياً ما مرتبطاً بالنصر أو الهزيمة، فيظهر أن طول عمر المعركة عسكرياً بين روسيا وأوكرانيا كنقطة ضعف لموسكو، وأن أي تقدم أو تراجع لها في أية منطقة يدخل ضمن نقاط الربح أو الخسارة لها بالمعنى الاستراتيجي.
واقع الأمور يدل على أن الميدان الرئيسي ليس عسكرياً فحسب، وإنما اقتصادياً بالدرجة الأولى، ولا يتعلق بحدود أوكرانيا الجغرافية، وإنما روسيا ومجمل الدول الغربية، فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية وحتى اليوم، لم تتأثر روسيا- بالدرجة نفسها التي تعرّض لها الغرب- بموجات من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتدني الأجور والإفلاس وارتفاع أسعار الطاقة، والتوترات الاجتماعية والسياسية.
من ينتظر نصراً عسكرياً تقليدياً روسياً أو أوكرانياً، فإما أن يكون واقعاً في شراك الإعلام الغربي وتفسيراته لواقع العالم، أو أنه لا يزال يعتقد أن ظاهرة كالحرب لم تتغير. بينما الواقع يقول: إن التداعيات الاقتصادية والسياسية من شأنها ضرب أحد الخصوم من الداخل، وهو ما يمكن أن يكون نهاية لهذه الحرب. اليوم يبدو الغرب أكثر هشاشة والأقرب للانهيار، وتعتبر الأمثلة المذكورة عن بريطانيا وألمانيا جزءاً من حالة شاملة تتصاعد وتتوسع في أوروبا، ولن تبقى الولايات المتحدة بعيدة عنها. أما بالنسبة لروسيا فبقاؤها موحدة ومستقرة اقتصادياً واجتماعياً يضمن لها النصر، لكن نجاحها في هذه المهمة لن يكون أمراً يسيراً إذا لم تتسارع الخطى لبناء منظمومة اقتصادية واجتماعية، تعيد توزيع الثورة بشكل عادل، ما يضمن جبهة داخلية محصنة قادرة على ضخ الموارد اللازمة للمعركة.

ما يقلق الجميع بطبيعة الحال، هي مخاطر نشوب حرب نووية، التي وعلى الرغم من أنها لا تزال خياراً مستبعداً إلا أنها تبقى خطراً حقيقياً محتملاً. فالتصعيد الغربي المستمر يفرض على الجميع الاستعداد لكافة السيناريوهات، وهو ما يفرض على روسيا تذكير الغرب بقدرتها النووية، أملاً في ردع «رؤوس واشنطن الحامية» ودفعها لوقف التصعيد، وكبح جماح الدول الغربية المنخرطة في هذا التصعيد قبل فوات الآوان. فضمن مستويات التصعيد الحالية، يمكن أن يجد العالم نفسه أمام مواجهة بين القوى العظمى التي وإن استخدمت أسلحة تقليدية في حربٍ كهذه ستكون نتائجها كارثية على الجميع، ولن يستطيع الاقتصاد العالمي المتأرجح من تأمين الاحتياجات الأساسية لسكان الكوكب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1100