«الجونسونية» حالة موضوعية وتراس منفّذ آخر لها

«الجونسونية» حالة موضوعية وتراس منفّذ آخر لها

عُينت وزيرة الخارجية البريطانية اليمينية من حزب المحافظين ليز تراس رئيسة للوزراء يوم الثلاثاء الماضي وسط أزمة اقتصادية وسياسية هي الأشدّ في تاريخ البلاد، ولـ «حسن» حظ تراس، تُوفيت الملكة البريطانية إليزابيث خلال أسبوع عملها الأول، مما شكل ضغوطاً إضافية عليها، لكن ما هي توجهات تراس السياسية عموماً، وهل ستتمكن من إنقاذ المملكة المتحدة، بما فيه اتحادها نفسه؟

التحديات الماثلة أمام تراس

على المستوى الاقتصادي، بلغ مستوى التضخم في المملكة المتحدة أكثر من 10%، كما سجّل الجنيه الإسترليني أدنى مستوياته مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 1985 عند 1.1410 للدولار، كما سجلت البلاد أعلى قيمة لفاتورة الكهرباء في أوروبا، حيث بلغ متوسط فواتير الكهرباء في بريطانية نسبة أعلى بـ 30% من الدول الأوروبية الأخرى، وفقاً لصحيفة «فايننشال تايمز».
على المستوى السياسي، تتفاقم أزمة البلاد خارجياً مع بقية دول الاتحاد الأوروبي بسبب تبعات بريكست– خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي– حيث تتزايد الخلافات سواء ما بين لندن وبروكسل، أو ما بين لندن وباريس أو برلين أو غيرها، إثر مشاكل وخلل بالاتفاقات القديمة والجديدة ومحاولات التنافس البريطانية مع الاتحاد ودوله لإبرام أو تعديل اتفاقات تتلاءم مع مصلحة بريطانيا.
أما على المستوى الداخلي، يتدهور الوضع المعيشي بالنسبة لشعوب المملكة المتحدة إثر أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية عموماً، وتعم البلاد إضرابات متفرقة وبشكل متكرر لعمال مختلف القطاعات وأهمها: النقل بأنواعه، كما تتعاظم المشكلة الداخلية المتعلقة بإيرلندا الشمالية التي كان وجود بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي إلى جانب إيرلندا حلاً مؤقتاً لها، تلاها اشتداد الأزمة الاقتصادية مؤخراً، لتتزايد أصوات الدول المٌشكلة للمملكة المتحدة مطالبةً بالاستقلال، أما إيرلندا الشمالية فبالإضافة لذلك يعاد طرح وحدتها مع إيرلندا ككل. وذلك فضلاً عن الانقسامات والتجاذبات السياسية الجارية ما بين القوى السياسية التقليدية في بريطانيا، وردود الفعل الشعبية والسياسية على تعيينها بالتوازي مع التسريب المتعلق «بفضيحة الخلية السرية». وكل ما سبق ذكره يشكل غيضاً من فيض، وبنظرة سريعة وعامة، على مجمل الأزمات والتحديات الماثلة أمام ليز تراس.

توجهات تراس من لسانها: أزمة الطاقة

خلال أول خطاب لتراس بعد تكليفها بمهام رئاسة الوزراء، أعلنت من داونينغ ستريت أنها تعتزم إعادة بناء اقتصاد البلاد، مؤكدة أن الاقتصاد وأزمة الطاقة والصحة ستكون من أولوياتها، وتعهدت بـ «التغلب على عاصفة الأزمة الاقتصادية، واتخاذ إجراء هذا الأسبوع لمعالجة فواتير الطاقة التي لا يمكن تحملها» ومرجعة أسبابها إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وكان من أولى خطواتها بمواجهة أزمة الطاقة، أن أعلنت يوم الخميس تجميد أسعار فواتير الطاقة المنزلية (الكهرباء والغاز) عند سقف 2500 جنيه إسترليني حتى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2024، كما ألغت ما يسمى بـ «الضريبة الخضراء» الخاصة بتمويل الطاقات المتجددة، والبالغة 150 جنيه إسترليني عن فواتير الكهرباء المنزلية.
أولاً: يعني الموقف المتمثل باعتبار ما يجري في أوكرانيا سبباً لأزمة المملكة المتحدة اقتصادياً، استمراراً للسياسة البريطانية نفسها التي سرّعت من أزمتها بيدها، عبر فرضها العقوبات على روسيا، والتي كانت عملياً عقوبات على المملكة المتحدة نفسها، بمنعها من استيراد مواد الطاقة الروسية، بالمثل من بقية دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، دون أن تحقق هذه العقوبات أهدافها المرجوة على موسكو بأية حال. ومن جهة أخرى، يعني هذا الموقف نفي أية أسباب داخلية وبنيوية صنعت وكانت هي سبباً رئيسياً بالأزمة الاقتصادية للملكة المتحدة، ربطاً مع الأزمة الرأسمالية عالمياً، ليعني هذا الأمر عملياً: أن تراس ستقود البلاد نحو أزمات اقتصادية مضاعفة خلال حقبتها.
أمّا الفأر الذي تمخض عن جبل وعودها، والذي تمثل بتجميد أسعار فواتير الطاقة المنزلية، لا يعني عملياً إلا إعلاناً رسمياً بأن هذه الأزمة طويلة الأجل، والعامان المذكوران يهدفان لترويض شعوب المملكة المتحدة، ومحاولة لامتصاص غضبها خلالهما، كما أن هذا التجميد على الفواتير المنزلية، والذي يعني أن الدولة هي من ستدفع الفائض عن 2500 جنيه، بعد اقتراح الموردين لرفع السقف إلى 3,549 جنيه، ما يعني أعباء كبيرة على خزينة الدولة، يمكن أن تصل إلى 150 مليار جنيه إسترليني في الوقت الذي تعاني فيه الميزانية من ضغوط كبرى، تجعل تأمين موارد كهذه أمراً صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً.

من لسان تراس أيضاً: ما يتعلق بإيرلندا الشمالية

حينما كانت تراس لا تزال وزيرةً للخارجية، قدمت مشروع قانون لتنظيم العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والذي تضمن إلغاءً لبعض الأجزاء من الاتفاقية التجارية بين الطرفين، بما فيها المتعلقة بإيرلندا الشمالية، وتأثير ذلك على العلاقات مع إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، وحظي هذا القانون بانتقادات شديدة من دبلن وبروكسل وواشنطن، ونشأت إثر ذلك توترات بينهم وبين لندن.
خلال أول اتصال هاتفي لتراس مع الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء، اتفقا على ضرورة حماية السلام في إيرلندا الشمالية وفقاً لداونينغ ستريت، وذلك بسبب وجود مخاطر تتعلق بالاتفاقية المبرمة في 1989 المتعلقة بإيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا أنهت عقوداً من العنف، كما اتفقا على تعزيز العلاقات الدفاعية بين البلدين «بما في ذلك من خلال تطوير تحالفنا الدفاعي العميق عبر كل من حلف شمال الأطلسي وأوكوس».
ويعني هذا الاتصال الهاتفي الأول بين الجانبين بشقيه المتمثلين بـ «حماية السلام» في إيرلندا الشمالية، والتعاون الدفاعي، وجود توقعات بتطور التوترات في مقاطعة إيرلندا الشمالية مستقبلاً، وإعلان تراس المسبق لذلك باستعدادها لاستخدام القوة بوجه أية تحركات قد تجري في المقاطعة بشعار «السلام» بالطبع، وتلقي مباركة واشنطن بذلك.
تكليف تراس جاء ضمن إطار إصلاح البلاد وإنقاذها من السياسات «الجونسونية»، لكن النتيجة هي أن توجهات جونسون لن يطرأ عليها تغيير جذري، بل تراس غارقة في المستنقع ذاته، ولا تملك في جعبتها أي توجه جديد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2022 12:50